للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنكار الوديعة]

[مذهب الحنفية]

جاء في (المبسوط): إذا طلب المودع الوديعة فجحدها المستودع كان ضامنًا لها لوجهين: أحدهما: أنه بالجحود صار متملكًا، فإن الشرع مال الغير بغير رضاه إلا بالضمان. ولأن المالك عزله عن الحفظ حين طالبه بالرد فهو بالجحود صار مانعًا المالك عن ملكه مفوتًا عليه يده الثابتة حكمًا فيكون كالغاصب ضامنًا بهذا الطريق، ولم يذكر في الكتاب إذا جحدها لا في وجه المودع، فإن قال له إنسان: ما حال وديعة فلان عندك فجحدها أو جحدها في وجه المودع من غير أن يطالبه بالرد بأن قال له: ما حال وديعتى عندك ليشكره على حفظها فجحدها، وذكر في اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله تعالى - أنه على قول زفر يكون ضامنًا لما ذكرنا أنه بالجحود متملك لها ومفوت يد المالك حكمًا، وقال أبو يوسف: لا يكون ضامنًا؛ لأن المالك ما عزله عن الحفظ فيكون العقد باقيا، وباعتبار بقاء يده كيد المالك في العين، ولأن الجحود في حال غيبة المالك من الحفظ؛ لأنه طريق لدفع طمع الطامعين عنها فلا يكون موجبًا للضمان عليه، فإن أقام رب الوديعة البينة بعد جحود المودع أنه استودعه كذا ثم أقام المستودع البينة أنها ضاعت فهو ضامن لها؛ لأنه بالجحود صار ضامنًا، وهلاك المضمون في يد الضامن يقرر عليه الضمان. وكذلك إن أقام البينة أنها كانت ضاعت قبل جحوده؛ لأن البينة لا تقبل إلا بعد تقدم الدعوى. وهو مناقض في كلامه فجحوده أصل الإيداع يمنعه من دعوى الهلاك قبله فلهذا لا تقبل بينته إلا أن يقر المودع بذلك فحينئذ لا ضمان على المودع، لأن الإقرار موجب بنفسه في حق المقر، ولأن المناقض إذا صدقه خصمه كان مقبول القول. وإن قال: لم تودعنى شيئًا، ثم قال: قد أودعتنى ولكنها هلكت؛ فهو ضامن لها لما بينا أن جحوده أصل الإيداع يمنعه من دعوى الهلاك قبله، والهلاك بعد الجحود يؤكد الضمان عليه، وإن قال: قد أعطيتكها، ثم قال بعد أيام: لم أعطكها ولكنها ضاعت لم يصدق وهو ضامن لها، وطعن عيسى في هذا وقال: لا ضمان عليه؛ لأنه تكلم بكلامين لو تكلم بكل واحد منهما على الانفراد لم يكن ضامنًا فبمجموعهما كيف يصير ضامنًا (١).

[مذهب المالكية]

جاء في (الشرح الكبير): تُضمنُ الوديعة بدفعها لشخص ادعى أنه دفعها بأمر المودع وأنكر ربها وتلفت أو ضاعت بلا تفريط من القابض لها، ويكون ذلك بلا واسطة بأن يقول: أنت أمرتنى بدفعها له بنفسك، أو بواسطة بأن يقول له: جاءنى كتابك أو رسولك أو أمارتك ومثل إنكار ربها إنكار ورثته إن مات، ففى الحطاب: لو مات المودِع بالكسر فادعى المودَع - بالفتح - أنه أمر قبل موته بدفعها لفلان فإنه يضمن، ولا يصدق ويحلف ورثة المودع على نفى العلم (٢).


(١) المبسوط: ١١/ ١١٦.
(٢) الشرح الكبير: ٣/ ٤٢٨.