على أقرب موضع صالح للتسليم، ويبرأ الكفيل بتسليمه أو بتسليم وكيله في مكان التسليم المنكور بلا حائل كمتغلب يمنع المكفول له عنه لقيامه بما وجب عليه، فإن أحضره مع وجود الحائل لم يبرأ الكفيل لعدم الانتفاع بتسليمه. وقضية هذا الكلام: عدم البراءة بتسليمه في غير مكان التسليم وهو كذلك إن كان للمكفول له غرض في الامتناع كفوت حاكم أو معين، وإن امتنع لا لغرض تسلمه الحاكم عنه لأن التسليم حينئذ لازم له، فإذا امتنع منه ناب عنه الحاكم فيه، فإن لم يكن حاكم سلمه إليه وأشهده به شاهدين ويبرأ بتسليمه للمكفول له محبوسا بحق لإمكان إحضاره ومطالبته بالحق، بخلاف ما إذا كان محبوسا بغير حق لتعذر تسلمه، وكذا يبرأ الكفيل بأن يحضر المكفول في مكان التسليم ويقول للمكفول له سلمت نفس على جهة الكفيل، كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل الدين، ولو سلم نفسه عن الكفيل فأبى أن يقبله قال الماوردى رضى الله تعالى عنه أشهد المكفول أنه قد سلم نفسه عن كفالة فلان وبرئ الكفيل منها. وقياس ما تقدم أنه يتعين الرفع إلى الحاكم ثم الإشهاد. قال الخطيب: وإطلاق صاحب المنهاج يشمل الصبى والمجنون يسلمان أنفسهما عن جهة الكفيل، قال الأذرعى رحمه الله تعالى: وفيه وقفة، إذ لا حكم لقولهما، ولم أره نصا، والظاهر أنه إن قبل حصل التسليم وإلا فلا. وهو حسن، ولا يكفى مجرد حضوره من غير قوله سلمت نفسى عن الكفالة لأنه لم يسلمه إليه ولا أحد عن جهته، فلو سلمه إليه أجنبى عن جهة الكفيل بإذنه برئ أو بغير إذنه فلا إن لم يقبل، فإن قبل ولا يلزمه القبول برئ الكفيل (١).
[مذهب الحنابلة]
جاء فى المغنى والشرح الكبير أن الكفالة تصح حالة ومؤجلة كما يصح الضمان حالا ومؤجلا، وإذا أطلق كانت حالة لأن كل عقد يدخله الحلول اقتضى إطلاقه الحلول كالثمن والضمان. فإذا تكفل حالا كان له مطالبته بإحضاره، فإن أحضره وهناك يد حائلة ظالمة لم يبرأ منه ولم يلزم المكفول له تسلمه لأنه لا يحصل له غرضه، وإن لم تكن يد حائلة لزمه قبوله، فإن قبله برئ من الكفالة، وقال ابن أبي موسى رحمه الله تعالى: لا يبرأ حتى يقول قد برئت إليك منه أو قد سلمته إليك أو قد أخرجت نفسى من كفالته، والصحيح الأول لأنه عقد على عمل فبرئ منه بالعمل المعقود عليه كالإجارة، فإن امتنع من تسلمه برئ لأنه أحضر ما يجب تسليمه عند غريمه وطلب منه تسلمه على وجه لا ضرر في قبضه فبرئ منه كالمسلم فيه، وقال بعض أصحابنا إذا امتنع من تسلمه أشهد على امتناعه رجلين وبرئ لأنه فعل ما وقع العقد على فعله فبرئ منه، وقال القاضي رحمه الله تعالى يرفعه إلى الحاكم فيسلمه إليه، فإن لم يجد حاكما أشهد شاهدين على إحضاره وامتناع المكفول من قبوله، والأول أصح فإن مع وجود صاحب الحق لا يلزمه دفعه إلى نائبه كحاكم
(١) مغنى المحتاج إلى معرفة معاني معرفة معاني المنهاج للشيخ محمد الشريف الخطيب جـ ٢ ص ١٩٠، ص ١٩١ في كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.