للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويرى ابن حزم الظاهرى (١): أنه إذا جنى أحد على عبد أو أمة خطأ ففى ذلك ما نقص من قيمته بأن يقوم صحيحا مما جنى عليه ثم يقوم كما هو الساعة ويكلف الجانى أن يعطى مالكه ما بين القيمتين وإذا جنى أحد عليهما عمدا ففى ذلك القود وما نقص من قيمتهما، أما القود فللمجنى عليه وأما ما نقص من القيمة فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله.

[الواجب فى الآمة يحدثها العبد]

يقول الحنفية (٢): إذا جنى عبد جناية دون النفس (كالآمة مثلا) عمداً أو خطأ فمولاه بالخيار بين أن يدفعه إلى ولى الجناية فيملكه بجنايته وبين أن يفديه بأرشها، وذلك لما روى عن ابن عباس أنه قال:

«إذا جنى العبد فمولاه بالخيار ان شاء دفعه وإن شاء فداه».

واختلفوا هل الواجب الأصلى هو دفع العبد او هو فداؤه على قولين أولهما هو الصحيح كما فى الهداية والزيلعى، ويترتب على القول الأول أن يسقط‍ الواجب بموت العبد، وعلى القول الثانى أن السيد لو اختار الفداء ولم يقدر عليه أداه متى وجد ولا يبرأ بهلاك العبد.

وإذا فدى السيد عبده ثم جنى العبد بعد ذلك جناية أخرى فحكمها كالأولى بالتفصيل الذى ذكرناه لأنه لما فداه عن الأولى صارت كان لم تكن، وكانت الجناية الثانية كالمبتدأة، فإن جنى جنايتين دفعه بهما الى وليهما أو فداه بأرشهما.

والمالكية يقولون: إذا جنى الآمة عبد على حر فثلث الدية فى رقبة العبد أى أن العبد تتعلق جنايته بنفسه لا بذمته ولا بذمة سيده، فهو فيما جنى، فإن شاء سيده أسلمه فيها وأن شاء فداه بأرشها ولا يطالب السيد ولا العبد بشئ إذا زاد ثلث الدية عن قيمته.

وإذا كانت جناية العبد على عبد فكذلك غير أن الثلث الواجب هنا هو ثلث قيمة العبد المجنى عليه فيخير سيد العبد الجانى بين ان يسلم عبده لولى الجناية أو يفديه (٣).

والشافعية يقولون (٤): إذا جنى العبد جناية موجبة للمال ومنها الآمة تعلق المال برقبته لا بذمته والسيد بالخيار بين بيعه بنفسه أو تسليمه للبيع وبين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية فان لم يفعل باعه القاضى وصرف الثمن الى المجنى عليه وإذا سلمه للبيع وكان الأرش يستغرق قيمته بيع كله وإلا فبقدر الحاجة إلا أن يأذن السيد أو لم يوجد من يشترى بعضه.

والحنابلة يقولون (٥): إذا جنى العبد آمة أو غيرها فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه فإن كانت الجناية أكثر من قيمته لم يكن على سيده أكثر من قيمته.

وقال ابن قدامة تعليقا عليه وتعليلا للحكم فى الموضع نفسه: هذا فى الجناية التى تودى بالمال أما لكونها لا توجب إلا المال وأما لكونها موجبة للقصاص فعفا عنها الى


(١) المحلى ج‍ ٨ ص ١٤٢، ١٤٩.
(٢) الدر المختار ج‍ ٥ ص ٥٣٨، ٥٣٩، وحاشية ابن عابدين علية.
(٣) شرح أقرب المسالك للدردير ج‍ ٢ ص ٣٧٠، والباجى على الموطأ ج‍ ٧ ص ٢١ وشرح أبى الحسن على رسالة أبى زيد القيروانى وحاشية العدوى علية ج‍ ٢ ص ٣٣٧.
(٤) الأنوار للإردبيلى ص ٢٧٩.
(٥) مختصر الإمام أبى القاسم الخرقى - متن المغنى ج‍ ٩ ص ٥١١، ٥١٢ من الطبعة السالفة الذكر.