للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعذر ذلك فالريح الباردة في الليلة المظلمة عذر لأنها فطنة المطر ولو لم تكن الريح شديدة خلافا لظاهر المقنع وذكر أبو المعالى أن كل ما أذهب الخشوع كالحر المزعج عذر ولهذا جعله الأصحاب كالبرد في المنع من الحكم والإِفتاء والزلزلة عذر قاله أبو المعالى لأنها نوع خوف. والمنكر في طريقه إلى المسجد ليس عذرا لأن المقصود الذي هو الجمعة أو الجماعة مقصود لنفسه لا قضاء حق لغيره وكذا المنكر في المسجد كدعاء البغاة ليس عذرا وينكره بحسيه والعمى ليس عذرا مع قدرته فإن عجز الأعمى عن قائد تبرع قائد يقوده ولزمه حضور الجمعة لا الجماعة والجهل بالطريق ليس عذرا إن وجد من يهديه أي يدله على المسجد ويكره حضور المسجد لمن أكل ثوما أو بصلا أو فجلا ونحوه حتى يذهب ريحه ولو خلا المسجد من آدمى لتأذى الملائكة بريحه ولحديث من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا والمراد حضور الجماعة حتى ولو في غير مسجد أو غير صلاة فيكره حضور مسجد وجماعة مطلقا لمن أكل ثوما أو بصلا نيئين أو فجلا ونحوه كالكراث حتى يذهب ريحه لما فيه من الإيذاء. وكذا جزار له رائحة منتنة ومك له صنان وزيات ونحوه من كل ذى رائحة منتنة لأن العلة الأذى وكذا من به برص أو جذام يتأذى به قياسا على أكل الثوم ونحوه بجامع الأذى.

[مذهب الظاهرية]

جاء في المحلى (١): لا تجزئ صلاة فرض أحدا من الرجال إذا كان بحيث يسمع الآذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإِمام فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته فإن كان بحيث لا يسمع الأذان ففرض عليه أن يصلى في جماعة مع واحد فصاعدا ولابد فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا أن لا يجد أحدا يصليها معه فيجزئه حينئذ إلا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلص عن الجماعة وليس ذلك فرضا على النساء فإن حضرنها حينئذ فقد أحسن وهو أفضل لهن فإن استأذن الحرائر أو الإِماء بعولتهن أو ساداتهن في حضور الصلاة في المسجد ففرض عليهم الإِذن لهن ولا يخرجن إلا تفلات غير متطيبات ولا متزينات وإن تطيبن أو تزين لذلك فلا صلاة لهم. وقد روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلى في بيته فرخص له فلما ولى دعاه وقال له هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فأجب. وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سمعت النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر"، ومن العذر (٢) للرجال في التخلص عن الجماعة في المسجد المرض والخوف والمطر والبرد وخوه ضياع المال وحضور الأكل وخوف ضياع المريض أو الميت وتطويل الإمام حتى يضر بمن خلفه وأكل الثوم أو البصل أو الكراث ما دامت الرائحة باقية ويمنع آكلوها من حضور المسجد ويؤمر بإخراجهم منه ولابد


(١) انظر كتاب المحلى لأبى سعيد بن حزم الأندلسى جـ ٤ ص ١٨٨ وما بعدها مسألة رقم ٤٨٥ طبع مطابع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٤٨ هـ الطبعة الأولى لصاحبها محمد منير أغا الدمشقى.
(٢) المرجع السابق لابن حزم الأندلسى جـ ٤ ص ٢٠٢ وما بعدها مسألة رقم ٤٨٦ الطبعة السابقة.