للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الاقامة فى الحج والعمرة]

[مذهب الحنفية]

جاء فى بدائع الصنائع (١): أن طواف الصدر لا يجب على المقيم فى مكة لأن من شرائط‍ وجوب طواف الصدر أن يكون الحاج من أهل الافاق فليس على أهل مكة ولا من كان منزله داخل المواقيت الى مكة طواف الصدر اذا حجوا لأن هذا الطواف انما وجب توديعا للبيت ولهذا يسمى طواف الوداع ويسمى طواف الصدر لوجوده، عند صدور الحجاج ورجوعهم الى وطنهم، وقال:

أبو يوسف: أحب الى أن يطوف المكى طواف الصدر لأنه وضع لختم أفعال الحج وهذا المعنى يوجد فى أهل مكة، ولو نوى الآفاقى الاقامة بمكة أبدا بأن توطن بها واتخذها دارا فهذا لا يخلو من أحد وجهين.

اما أن ينوى الاقامة بها قبل أن يحل النفر الأول.

واما أن ينوى الاقامة بها بعد ما حل النفر الأول فان نوى الاقامة بها قبل أن يحل النفر الأولم سقط‍ عنه طواف الصدر أى لا يجب عليه بالإجماع، وإن نوى الإقامة بها بعد ما حل النفر الأول لم يسقط‍ عنه وعليه طواف الصدر فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف يسقط‍ عنه الطواف الا اذا كان شرع فيه لأنه لما نوى الاقامة صار كواحد من أهل مكة وليس على أهل مكة طواف الصدر الا اذا شرع فيه لأنه وجب عليه بالشروع.

ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله أنه اذا حل له النفر فقد وجب عليه الطواف لدخول وقته الا أنه مرتب على طواف الزيارة كالوتر مع العشاء فنية الاقامة بعد ذلك لا تعمل كما اذا نوى الاقامة بعد خروج وقت الصلاة وجاء فى موضع آخر (٢)، ليس لأهل مكة ولا لمن هو بمكة داخل المواقيت التى بينها وبين مكة قران ولا تمتع وذلك لقول الله تعالى «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ ٣ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» فقد جعل التمتع لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام على الخصوص لأن اللام للاختصاص ثم حاضروا المسجد الحرام هم أهل مكة وأهل الحل الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة لأن الذين هم داخل المواقيت الخمسة منازلهم من توابع مكة بدليل أنه يحل لهم أن يدخلوا مكة لحاجة بغير احرام فكانوا فى حكم حاضرى المسجد الحرام وروى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال: ليس لأهل مكة تمتع ولا قران ولأن دخول العمرة فى أشهر الحج ثبت رخصة لقول الله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} (٤)» قبل فى بعض وجوه التأويل أى للحج أشهر معلومات واللام للاختصاص فيقتضى اختصاص هذه الاشهر بالحج وذلك بأن لا يدخل فيها غيره الا أن العمرة دخلت فيها رخصة للافاقى ضرورة تعذر انشاء السفر للعمرة نظرا له باسقاط‍ أحد السفرين وهذا المعنى لا يوجد فى حق أهل مكة ومن بمعناهم فلم تكن العمرة مشروعة فى أشهر الحج فى حقهم وكذا روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أيضا انه قال: كنا نعد العمرة فى أشهر الحج من أكبر الكبائر ثم رخص والثابت بطريق الرخصة يكون ثابتا بطريق الضرورة والضرورة فى حق أهل الآفاق لا فى حق أهل مكة فبقيت العمرة فى أشهر الحج فى حقهم معصية ولأن من شرط‍ التمتع أن تحصل العمرة والحج للتمتع فى أشهر الحج من غير أن يلم بأهله فيما بينهما وهذا لا يتحقق فى حق المكى لأنه يلم بأهله فيما بينهما لا محالة فلم يوجد شرط‍ التمتع فى حقه.

[مذهب المالكية]

جاء فى التاج والاكليل للمواق (٥): أنه المقيم بمكة سواء أكان متوطنا بها أم لا سواء أكانت الاقامة


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج ٢ ص ١٤٢ الطبعة السابقة.
(٢) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج ٢ ص ١٦٩ الطبعة السابقة.
(٣) الآية رقم ١٩٦ من سورة البقرة.
(٤) الآية رقم ١٩٧ من سورة البقرة.
(٥) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج ٢ ص ٢٩، ٣٠ الطبعة السابقة والحطاب على خليل ج ٣ ص ٥٥، ص ٥٦ الطبعة السابقة.