للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذهب الظاهرية]

قال ابن حزم: ومن باع شيئا فقال المشترى: لا أدفع الثمن حتى أقبض ما ابتعت وقال البائع: لا أدفع حتى أقبض أجبرا معا على دفع المبيع والثمن معا، لأنه ليس أحدهما أحقَّ بالإنصاف والانتصاف من الآخر وبيد كل واحد منهما حق للآخر وفرض على كل واحد منهما أن يعطى الآخر حقه، فلا يجوز أن يخص أحدهما بالتقدم، وفعل ذلك جور وحيف وظلم.

فإن أبى المشترى من أن يدفع الثمن على هذا الوجه. أي مع قبضه لما اشترى وقال: لا أدفع الثمن إلا بعد أن أقبض ما اشتريت لا معه. فللبائع أن يمسك ما باع ويحبسه حتى ينتصف وينصف معا. فإن تلف المبيع عنده خلال حبسه هذا له من غير تعد منه فهو من مصيبة المشترى وعليه دفع الثمن. ولا ضمان على البائع فيما هلك عنده من غير تعديه، لأنه احتبس بحق قال الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (١). إلا أن يكون في بعض ما حبس وفاء بالثمن فإنه يضمن ما زاد على هذا المقدار، لأنه متعد باحتباسه أكثر مما تعدى عليه فيه الآخر.

هذا إذا كان مما يمكن أن ينقسم. فإن كان مما لا يمكن قسمته إلا بفساده أو حط ثمنه فلا ضمان عليه أصلا.

ولو قال البائع: لا أدفع المبيع إلا بعد قبض الثمن ودعاه المشترى إلى أن يقبض ويدفع معا فأبى فهو هنا ضامن، لأنه متعد باحتباسه ما حبس وقد دُعِى إلي الإنصاف فأبى (٢).

ومن اشترى سلعة على السلامة من العيوب فوجدها معيبة فهى صفقة مفسوخة لا خيار له في إمساكها إلا بأن يجددا فيها بيعا آخر بتراض منهما، لأن المعيب غيرُ السالم، وهو إنما اشترى سالما فأعطى معيبا فالذى أعطى غير الذي اشترى فلا يحل له إمساكه ما لم يشتر لأنه أكل مال بالباطل (٣).

فإن لم يشترط السلامة ولا بين له معيب فوجد عيبا فهو مخير بين إمساك الصفقة كلها أو ردها فإن أمسك فلا رجوع له بشيء، لأنه قد رضى بعين ما اشترى فله أن يستصحب رضاه وله أن يرد جميع الصفقة، لأنه وجد خديعة وغشا وغبنا، والغش والخديعة حرامان وليس له أن يمسك ما اشترى ويرجع بقيمة العيب، لأنه إنما له ترك الرضا بما غبن فقط ولأنه لم يُوجب له حقا في مال البائع قرآن ولا سنةٌ بل ماله عليه حرام وليس له رد البعض وإمساك البعض، لأن نفس المعامل لم تطب له ببعض ما باع له دون البعض.

ولا يحل مال أحد إلا بتراض أو بنص يوجب إحلاله لغيره، وسواء كان المعيب وجه الصفقة أو أكثرها أو أقلّها، لأنه لم يأت بالفرق بين شئ من ذلك قرآن ولا سنة (٤).

وهذا حكم كل معيب حاشا المُصَرَّاة فقط فإن حكمها أن من اشترى مصراة. وهى ما كان يحلب


(١) الآية رقم ١٩٤ من سورة البقرة.
(٢) المحلى لابن حزم جـ ٩ ص ٣٩٧، ٣٩٨ مسألة رقم ١٤٤١، ١٤٤٢ الطبعة الأولى بمطبعة دار الاتحاد العربى للطباعة ١٣٨٩ هـ
(٣) المرجع السابق ص ٧١٩ مسألة رقم ١٥٧٠.
(٤) المرجع السابق ص ٧٢٠ مسألة رقم ١٥٧١، ص ٥٧٦ مسألة رقم ١٤٩٧.