للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن حزم الظاهرى: أن الجزء المبان فى هذه الحالة لا يحل أكله مادام الحيوان حيا فإذا مات الحيوان حل أكله وأكل الجزء المبان واستندوا فى ذلك إلى قوله تعالى:

«فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها} (١)» فالله لم يبح أكل شئ من الحيوان بعد تذكيته إلا بعد وجوب الجنب وهو فى اللغة الموت فإذا مات الحيوان حل أكله وأكل الجزء المبان (٢).

ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية فى ذلك واستندوا فى كراهة الإبانة فى هذه الحالة إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تعجلوا الأنفس … الحديث»، ولأنه تعذيب للحيوان بلا فائدة (٣).

وقال فقهاء الإباضية أنه يحرم إبانة جزء من الحيوان بعد ذبحه وقبل موته ولا يحل أكل هذا الجزء المبان لأنه أبين من حى أما باقى الحيوان فقد اختلفوا فى جواز أكله (٤).

وقال فقهاء الإمامية: «إذا ذبحت الذبيحة وسلخت أو سلخ شئ منها قبل أن تموت فليس يحل أكلها»، وقالوا أيضا:

إن تذكية الحيوان مشروطة بموته بالذبح أو النحر أو ما فى حكمهما.

وهذا يفيد أنه إذا أبين جزء من الحيوان بعد ذبحه حرم أكل الجزء المبان كما حرم أكل باقى الحيوان أما الفعل فى ذاته فقال بعضهم أنه محرم استنادا إلى تلازم تحريم الأكل وتحريم الفعل وقال بعضهم أنه مكروه لاشتماله على تعذيب الحيوان.

وهذا الحكم خاص بإبانة غير الرأس أما الرأس فقد اختلفوا فى إبانتها بعد الذبح وقبل الموت فقال بعضهم أن ذلك مكروه لحديث روى عندهم هو: «لا تنخع ولا تقطع الرقبة بعد ما تذبح»، وقال بعضهم أن ذلك حرام لأن النهى فى الحديث المشار إليه يقتضى التحريم. كما اختلفوا فى أن إبانة الرأس تحرم الذبيحة أم لا؟

فقال بعضهم أن ذلك يحرم الذبيحة لأن الزائد عن قطع الأعضاء يخرجه عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون مبيحا وقال بعضهم أن الذبيحة لا تحرم بذلك لأن المعتبر فى الذبح قد حصل فلا اعتبار بالزائد (٥).

«رمى الصائد الصيد فأبان عضوا منه هل

يؤكل هذا العضو؟»

قال فقهاء الحنفية إذا رمى الصائد صيدا يؤكل لحمه فأبان عضوا منه فان كانت حياة الصيد ممكنة بعد إبانه هذا العضو - أى بقيت فيه حياة فوق حياة المذبوح - فان العضو المبان لا يؤكل لأن العضو المبان قد أبين من حى فهو ميتة لقوله عليه السلام «ما أبين من الحى فهو ميت» والصيد هنا يعتبر حيا حقيقة وحكما أما حقيقة فلوجود الحياة فيه وأما حكما فلأن الشارع أعتبره حيا بعد إبانة العضو منه.

ولذلك لو وقع الصيد فى الماء بعد ذلك فمات فإنه لا يؤكل لحمه لاحتمال أن يكون موته بسبب وقوعه فى الماء.

وإذا بقى العضو متعلقا بالصيد فى هذه الحالة فان كان يمكن التئامه فان هذا


(١) آية ٣٦ سورة الحج.
(٢) راجع المحلى لابن حزم ج‍ ٧ ص ٣٩٨، ٤٤٩ طبعة ١٣٤٩ هـ‍.
(٣) راجع البحر الزخار ج‍ ٤ ص ٣٠٨ طبعة ١٣٦٦ هـ‍
(٤) راجع شرح النيل ج‍ ٢ ص ٥٣٦، ٥٣٧.
(٥) راجع الروضة البهية ج‍ ٢ ص ٢٧٠، ٢٧٣ طبعة سنة ١٣٧٨ هـ‍.