للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقر العدول عن الإقرار كما لقن النبى صلّى الله عليه وسلّم ما عزا حين أقر بالزنا بقوله: لعلك قبَّلت أو لمست.

ولو لم يكن الرجوع عن الإقرار جائزا لما كانت لهذا التلقين فائدة.

والتعليل بأن الرجوع يورث شبهة وهى تؤثر فى الحدود يدل على أن حقوق الله الخالصة التى لا تدرأ بالشبهة، كالزكاة والكفارات، لا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها، أما بالنسبة للمال فى الإقرار بالسرقة فلا يؤثر الرجوع ويجب على المقر ضمان هذا المال.

أما فى حقوق العباد الخالصة كالأموال والقصاص، والمشتركة بين الله والعباد كحد القذف فلا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها ويبقى الإقرار صحيحا ويؤخذ به المقر حكما وتنفيذا لأن هذه الحقوق تثبت مع الشبهة (١).

[مذهب المالكية]

قال صاحب التبصرة (٢): «فإن أقر على نفسه وهو رشيد طائع بمال أو قصاص لزمه، ولا ينفعه الرجوع، وإن أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع ولكن يلزمه الصداق والمال.

[مذهب الشافعية]

يقول الإمام جلال الدين السيوطى فى الأشباه والنظائر (٣): «وكل من أقر بشئ ثم رجع عنه لم يقبل، إلا فى حدود الله تعالى، قلت: ويضم إلى ذلك ما إذا أقر الأب بعين للابن فإنه يقبل رجوعه كما صححه النووى فى فتاواه».

[مذهب الحنابلة]

يقول صاحب كشاف القناع (٤): «ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به إلا فيما كان حدا لله تعالى فيقبل رجوعه عنه لأن الحد يدرأ بالشبهة وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات، فلا يقبل رجوع المقر عن الإقرار بها.

[مذهب الظاهرية]

يقول ابن حزم فى المحلى (٥): «من أقر لآخر أو لله تعالى بحق فى مال أو دم أو بشرة، وكان المقر عاقلا بالغا غير مكره، وأقر إقرارا تاما ولم يصله بما يفسده فقد لزمه ولا رجوع له بعد ذلك، فإن رجع لم ينتفع برجوعه وقد لزمه ما أقر به على نفسه من دم أو حد أو مال.

وإن وصل الإقرار بما يفسده بطل كله ولم يلزمه شئ لا من مال ولا من قود ولا حد.

[مذهب الزيدية]

جاء فى البحر الزخار (٦): «ولا يجوز الرجوع عنه إذ هو خبر ماض إلا فى حق الله تعالى لأنه يسقط‍ بالشبهة».


(١) أبن عابدين ج‍ ٤ ص ٧١٩.
(٢) ج‍ ٢ ص ٥٦.
(٣) ص ٥٧٤.
(٤) ج‍ ٦ ص ٣٨٦، وما بعدها الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة ١٣١٩ هـ‍.
(٥) ج‍ ٨ ص ٢٥٠ مسألة رقم ١٣٧٨.
(٦) ج‍ ٥ ص ٦ فى باب الاقرار.