للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإلا لزم فى القطعيين أن يثبت مقتضاهما وهما نقيضان والظن ينتفى حين نقطع باليقين.

وأما الإجماع الظني فإذا عارضه نص ظنى من الكتاب أو السنة فالجمع واجب بين الدليلين إن أمكن، وذلك بالتأويل حيث كان أحدهما قابلا له بوجه ما، فيؤول القابل له من الإجماع أو النص، أو بالتخصيص حيث كان أحدهما قابلا له، ثم إن لم يمكن الجمع بأحد الأمرين وجب الترجيح بأى وجوهه (انظر: ترجيح).

فإذا لم يمكن الترجيح لأحدهما على الآخر وجب إهمالهما لأن العمل بهما غير ممكن والعمل بأحدهما من دون الآخر ترجيح بلا مرجح (١)، ومثل هذا فى المنهاج للبيضاوى وشرحه للإسنوى (٢).

عدم سبق إجماع مخالف

اشترط‍ بعض العلماء فى الإجماع ألا يكون مسبوقا بإجماع مخالف له، وبعضهم لم يشترط‍ هذا الشرط‍ وبعضهم يشترطه فى حال دون حال، وتفصيل القول فى ذلك أنه: إذا أجمع أهل عصر على حكم ثم ظهر لهم هم أنفسهم ما يوجب الرجوع عنه وأجمعوا على ذلك الذى ظهر لهم ففى جواز الرجوع والاعتداد بالإجماع الجديد خلاف مبنى على الخلاف المتقدم فى اشتراط‍ انقراض عصر أهل الإجماع فمن رأى أن الإجماع لا يكون قائما إلا إذا انقرض المجمعون جوز لهم الرجوع وأن يتفقوا على رأى جديد، ومن لم يشترط‍ انقراض العصر وقرر أن الإجماع ينعقد منذ اللحظة الأولى للاتفاق، لم يجوز الرجوع للمجمعين ولم يعتد بإجماعهم الجديد، هذا إذا كان أهل الإجماع الثانى هم أصحاب الإجماع الأول.

أما إذا كان الإجماع الثانى من غير الذين أجمعوا أولا، ففى ذلك خلاف أيضا بين الجمهور وبعض العلماء (٣).

فالجمهور يرون أنه لا يجوز أن يأتى إجماع قوم على خلاف إجماع من سبقهم، لأن الإجماع الأول قد ثبت وصار حجة فلا يجوز الخروج عليه بل يكون ضلالا، وهذا هو المعبر عنه فى بعض كتب الأصول بنسخ الإجماع بالإجماع، وفى ذلك يقول المقدسى الحنبلى: فأما الإجماع فلا ينسخ ولا ينسخ به، لأنه لا يكون إلا بعد انقراض زمن النص، أى لا يكون إلا بعد عهد النبوة، والنسخ لا يكون بعدها، والنسخ لا يكون إلا بنص، ولا ينسخ بالإجماع لأن النسخ إنما يكون لنص (٤)، وحاصله: أنه لا يمكن أن ينسخ الاجماع باجماع آخر، لأن الاجماع الثانى ان كان لا عن دليل فهو خطأ وإن كان عن دليل فذلك يستلزم أن يكون الإجماع الأول خطأ، والإجماع لا يكون خطأ (٥).

ويقول الزيدية: والمختار أنه لا يصح إجماع على حكم بعد الاجماع على خلافه


(١) هداية العقول ج‍ ١ ص ٥٩٥، ٥٩٦.
(٢) شرح الإسنوى على المنهاج ج‍ ٣ ص ٩٣٤.
(٣) إرشاد الفحول ص ٨١.
(٤) روضة الناظر ج‍ ١ ص ٢٢٩.
(٥) المصدر السابق انظر الشرح.