للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما تجوز فيه الإنابة]

تجوز الإنابة في كل عمل تجوز فيه النيابة شرعا أما مالا تجوز فيه النيابة شرعا فلا تجوز فيه الإنابة والأصل في النيابة أن يكون أثر الفعل فيها من فعل له نتيجة قيام النائب بالفعل نيابة عمن أنابه وكأن الفعل قد صدر من المنيب فكان له أثره فالإنابة إذا حدثت وكانت في محل تجوز فيه النيابة شرعا ترتبت عليها النيابة وفى هذه الحال قد يكون تقدم الإنابة شرطا في صحة النيابة وهذا هو الأصل وقد لا يكون شرطا في صحتها كما في النيابة للضرورة أو للعرف كما في بناء صاحب العلو السفل إذا انهدم لضرورة إحياء حقه وكما في إنفاق الإنسان مالا لاستنقاذ مال لغيره من التلف دون إذن من صاحب المال إذ يعتبر نائبا عرفا وإن لم تكن في محل تجوز فيه النيابة شرعا لم تصح كإنابة الغير بالنسبة لصلاة الفرض والخروج عن العهدة فإنها إنابة باطلة لا يترتب عليها أثر وليس من لازم ذلك ألا تكون نيابة عن الغير بدون إنابة عنه بل قد ينوب الإنسان عن غيره بدون إنابة منه بل بحكم الشارع كما في نيابة الأب عن ولده الصغير.

[مذهب الحنفية]

الضابط في الإنابة أن من الأفعال ما لا يعد فعله عبادة ولا قربة. وهذا النوع من الأفعال تجوز فيه الإنابة بشروطها وهو يعم كل ما للإنسان أن يقوم به ويعد أهلا له وذلك كالعقود على اختلاف أنواعها والأعمال على اختلافها من حمل وبناء وهدم وزرع وتجارة وصياغة ودفع صدقة ودفع مال الزكاة إلى الفقراء وتسليم الودائع إلى أربابها وما إلى ذلك. وفى الأفعال ما يعد عبادة وقربة طلب الشارع أداءه أو ندب إليه فشغلت ذمة المكلف به وطلب إليه أداؤه وكانت نية المكلف به في فعله امتثالا للأمر به شرطا في خروجه عن العهدة وبراءة ذمته من المطالبة به حتى إذا فعل من غير نية لم يجزه ذلك ومن هذه الأفعال ما هو عبادة بدنية محضة كالصلاة والصوم والجهاد والاعتكاف وقراءة القرآن ومنها ما هو مالية محضه كالصدقات والأضحية وذبح الهدى والكفارات بالإطعام والإعتاق والنفقات ومنها ما يشمل الأمرين كالحج والعمرة وهذه الأفعال قد شرعت عبادة وقربة إلى الله تعالى وطلب من المكلف فعلها ولذا لا يكون الخروج من العهدة فيها إلا بنية فعلها. وقد وجبت فيها جميعها النية اتفاقا عند الامتثال سواء أفعلها المكلف بنفسه أم فعلها نائب عنه فيما تجوز فيه النيابة وأمكنت فيه النية بأن كانت ذلك حال حياة المكلف. ولما كان المقصود من التكاليف جملة الابتلاء والمشقة وذلك في البدنية بإتعاب النفس والجوارح بالأفعال التي تقوم بها تلك العبادة وليس يتحقق ذلك بفعل النائب عن المكلف إذ أن مشقته ليست مشقة للمكلف لم تجز النيابة مطلقا في العبادات البدنية سواء في ذلك حال العجز وحال القدرة ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد ومثل ذلك سائر العبادات البدنية أما في المالية فالمقصود نقص المال المحبوب إلى النفس بدفعه إلى الفقراء وذلك ما يتحقق بفعل النائب عن المكلف فجازت فيه النيابة في الدفع والأداء لا في النية والامتثال وقد ورد في هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - ضحى بكبشين أملحين