أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته وأن سعد بن أبى وقاص سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أمى كانت تحب الصدقة أفأتصدق عنها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم وكان مقتضى ذلك ألا تجرى النيابة في الحج لتضمنه القصد إلى المشقتين البدنية والمالية والبدنية لا تتحقق بفعل النائب غير أنه تعالى قد رخص في إسقاطه بتحمل المشقة الثانية وهى إخراج المال وذلك عند العجز المستمر إلى الموت رحمة وفضلا بأن تدفع نفقة الحج إلى من يحج بالنيابة بخلاف حال القدرة فلم يعذر المقتدر لأن تركه العبادة عندئذ ليس إلا للإيثار رحمة بنفسه عن أمر ربه فلم يستحق لذلك التخفيف بإسقاط الطلب عنه وقد جاءت الأحاديث دالة على جواز النيابة في الحج فقد روى ابن عباس أن امرأة خثعم قالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوى على ظهر بعيره أفأحج عنه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحجى عنه رواه الجماعة. وفى رواية عن علي أنها سألت فقالت إن أباها كبر وقد أفند أي خرف وقد أدركته فريضة الحج ولا يستطيع أداءها أفيجزى عنه أن أؤديها عنه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم رواه أحمد والترمذى وصححه. وعن ابن عباس أن امرأة من جهينة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: فحجى عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقض الله فإنه أحق بالوفاء. رواه البخارى وإذا جازت الإنابة في العبادة المالية مطلقا فالعبرة لنية المنيب لا لنية النائب. وسواء أنوى المنيب وقت الدفع إلى النائب أو وقت دفع النائب إلى الفقراء أو فيما بينهما ولهذا جاء في الفتاوى الظهيرية من دفع مالا إلى آخر ليتصدق به على الفقراء تطوعا نيابة عنه فلم يتصدق النائب حتى نوى الآمر الزكاة المفروضة عليه ولو لم يتلفظ بذلك ثم تصدق النائب جاز في الزكاة ولهذا لا تعتبر أهلية النائب حتى لو أناب المسلم ذميا في دفع زكاة إلى الفقراء جاز كما في كشف الأسرار والأصل الذي ذهب إليه الحنفية وأسسوا عليه مذهبهم في الإنابة وقبولها في الأفعال مطلقا كما بينا سابقا هو جواز الإنابة إلى كل ما للإنسان أن يفعله لنفسه وأن يفعله لغيره نيابة عنه كالعقود على اختلافها والضحايا والزكاة والصيد ودفع الودائع ورد المغصوب والعاريات وأداء الديون ودفع النفقات وما إلى ذلك من الأعمال كالأعمال التي تختص بالأوصياء والقوام والأولياء والقضاء والشهادة وقبض الهبات وما أشبه ذلك ما لم يمنع من ذلك مانع ولذلك استثنوا من هذا الأصل فيما ليس عبادة مسائل دعا إلى استثنائها أسباب منها عدم الإضرار بالغير حين رأوا في الإنابة إضرارا بكير المنيب كما في الإنابة في الخصومة عند الإمام وكما في الإنابة في تنفيذ الحدود والقصاص وذلك مراعاة لاحتمال العفو من ولى الدم في القصاص إذا كان حاضرا ولذا جازت الإنابة عند حضوره التنفيذ وليس للوكيل أن لا يوكل فيما وكل فيه إلا بإذن من الموكل أو تفويض منه والمرتهن ليس له أن يحفظ الرهن عند غيره ممن لا يحفظ ماله لديه والوديع لا يودع الوديعة عند غيره إلا بإذن من المودع. والأب والجد إذ يجوز لهما شراء مال موليهما الصغير ولا يملكان التوكيل في ذلك إذ