للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يمتنع ذلك على من قعد فى قعر بيته لا يبحث ولا يطلب» (١).

«والمجتهدون عدد قليل، ولهم اجتهادهم فى البحث عن الأحكام فلا يلزم مع ذلك امتناع اطلاع كل واحد منهم على ذلك الحكم» (٢).

رابعا: إن الاتفاق إما أن يكون عن دليل قاطع أو عن دليل ظنى، وكلاهما باطل، أما القاطع فلأن العادة تحيل عدم نقله إلينا، فلو كان لنقل، فلما لم ينقل علم أنه لم يوجد، ولو أنه نقل، لأغنى عن الإجماع، وأما الظنى فلأنه يمتنع الاتفاق عادة فى الأدلة الظنية، لاختلاف الأفهام وتباين الأنظار» (٣).

وأجيب: «بعدم تسليم ما ذكر بالنسبة للدليل القاطع، إذ قد يستغنى عن نقله بحصول الإجماع الذى هو أقوى منه، وأما الظنى فقد يكون جليا لا تختلف فيه الأفهام، ولا تتباين فيه الأنظار» (٤).

«وقد تصور إطباق اليهود على الباطل، فكيف لا يتصور إطباق المسلمين على الحق» (٥).

«وليس بممتنع مع الدليل الظنى اتفاق الجمع الكبير على حكمه، بدليل اتفاق أهل الشبه على أحكامها، مع الأدلة القاطعة على مناقضتها، كاتفاق اليهود والنصارى على إنكار بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واتفاق الفلاسفة على قدم العالم، والمجوس على التثنية، أى القول بالهين، مع كثرة عددهم كثرة لا تحصى، فالاتفاق على الدليل الظنى الخالى عن معارضة القاطع أولى ألا يمتنع عادة» (٦).

[المقام الثانى: امكان العلم بالاجماع]

اختلف العلماء فى هذا أيضا، فأثبته بعضهم، ونفاه بعضهم، قال الآمدى فى الأحكام: «المتفقون على تصور انعقاد الإجماع اختلفوا فى إمكان معرفته والاطلاع عليه، فأثبته الأكثرون أيضا، ونفاه الأقلون، ومنهم أحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه، ولهذا نقل عنه أنه قال: «من ادعى الإجماع فهو كاذب» (٧).

وأوضح المؤلفين بيانا لوجهة نظر النفاة، وجمعا لأدلتها، هو القاضى الشوكانى فى كتابه «إرشاد الفحول»، ويبدو من كلامه أنه مقتنع بهذا الرأى، معتقد أنه الحق، وهذا هو نص كلامه، مع قليل من التصرف للتوضيح:

«على تقدير تسليم إمكان الإجماع فى نفسه، يمنع بعض العلماء إمكان العلم به فيقولون لا طريق لنا إلى العلم بحصوله لأن العلم بالأشياء إما أن يكون وجدانيا،


(١) هداية العقول إلى غاية السول ص ٤٩٢ ج‍ ٢، وإرشاد الفحول للشوكانى ص ٦٨.
(٢) طلعة الشمس فى أصول الإباضية ص ٧٣، ج‍ ٢.
(٣) المرجع السابق.
(٤) المراجع نفسها.
(٥) المستصفى ج‍ ١ ص ١٧٣.
(٦) الأحكام للأمدى ص ٢٨٣ ج‍ ١.
(٧) الأحكام للأمدى ص ٢٨٤ ج‍ ١.