للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما يخالف فى حجيته، وهو تابع للإمام الرازى فى ذلك، والمذكور فى الأوسط‍ لابن برهان ومختصر ابن الحاجب وغيرهما أن النظام يقول باستحالته.

وقال ابن السبكى إن بعض أصحاب النظام يقولون باستحالة الاجماع، أما هو فيقول إنه يتصور لكن لا حجة فيه (١).

والذين يقولون بإمكان الإجماع يستدلون على ذلك بأنه قد وقع فعلا، فإن الأمة مجمعة على وجوب الصلوات الخمس وسائر أركان الإسلام، والوقوع الفعلى يدل على الإمكان، وكيف يمنع تصوره والأمة كلها متعبدة باتباع النصوص والأدلة القاطعة ومعرضون للعقاب بمخالفتها، فكما لا يمتنع اجتماعهم على الأكل والشرب لتوافق الدواعى فكذلك على اتباع الحق، واتقاء النار (٢).

والذين يقولون بعدم إمكان الإجماع يقولون:

أولا: لا نخالف فى اتفاق الأمة على ما علم من الدين بالضرورة كوجوب الصلوات الخمس وسائر أركان الإسلام، ولكن ثبوت هذه وأشباهها إنما هو بالتواتر لا بالإجماع وأجيب عن ذلك بأن التواتر هو مستند الإجماع، فلما ثبتت بالتواتر أجمع المسلمون عليها، أو أنها ثبتت بالإجماع فتواترت، وكيفما كان فالإجماع فيها ثابت، وبه يحصل المقصود وهو إمكان الإجماع بدليل وقوعه (٣).

ثانيا: إن اتفاق الأمة أو جميع المجتهدين، أو جميع أهل الحل والعقد على حكم غير معلوم من الدين بالضرورة محال، كاتفاقهم فى الساعة الواحدة على المأكول الواحد، كالزبيب مثلا أو على التكلم بالكلمة الواحدة، فإن الاتفاق على هذا أو ذاك محال عادة.

وأجيب بأن هناك فرقا، هو أنه لا صارف لجميعهم على تناول الزبيب مثلا فى يوم واحد ولجميعهم باعث على الاعتراف بالحق (٤).

وأجيب أيضا بأن الاتفاق إنما يمتنع عادة فيما يستوى فيه الاحتمال، كالمأكول المعين، والكلمة الواحدة، أما عند الرجحان بقيام الدلالة أو الإمارة الظاهرة، فذلك غير ممتنع، كاتفاق الجمع العظيم على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم (٥).

ثالثا: إن اتفاقهم فرع تساويهم فى نقل الحكم إليهم، وانتشارهم فى الأقطار يمنع نقل الحكم إليهم.

وأجيب عن هذا بأنه «لا يمتنع نقل الحكم إلى المتفرقين فى الآفاق مع جدهم فى الطلب، وبحثهم عن الأدلة، وإنما


(١) انظر هداية العقول إلى غاية السول (الحاشية) ص ٤٩٢ ج‍ ٢، وانظر ص ٨٦٠ من شرح الإسنوى على المنهاج بحاشية الشيخ بخيت ج‍ ٣ طبع السلفية بمصر سنة ١٣٤٥ وغير ذلك.
(٢) المستصفى للغزالى ص ١٧٣ ج‍ ١.
(٣) روضة الناظر وشرحه فى أصول الحنابلة ص ٣٣١ ج‍ ١.
(٤) المستصفى للغزالى فى الموضع نفسه.
(٥) إرشاد الفحول للشوكانى ص ٦٨.