للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انما يؤثر حكم الحاكم اذا أنشأه فى مسألة اجتهادية تتقارب فى المدارك لاجل مصلحة دنيوية.

قال: فالانشاء احتراز من حكمه فى مواقع الاجماع فان ذلك اخبار وتنفيذ محض.

وأما فى مواضع الخلاف فهو ينشئ حكما وهو الزام أحد القولين اللذين قيل بهما فى المسألة، ويكون انشاؤه اخبارا خاصا عن الله تعالى فى تلك الصورة.

من ذلك الباب قد جعل الله تعالى فى مواطن الخلاف نصا ورد من قبله فى خصوص تلك الصورة فاذا قضى المالكى فى امرأة علق طلاقها قبل الملك بوقوع الطلاق تناول هذه الصورة الدليل الدال على عدم لزوم الطلاق عند الحنفى والشافعى وكان حكم المالكى بلزوم الطلاق نصا خاصا تختص به هذه المرأة المعينة وهو نص من قبل الله تعالى فان الله جعل ذلك للحكام رفعا للخصومات والمشاجرات وهذا النص الوارد من هذا الحكم أخص من ذلك الدليل العام فيقدم عليه ويصير حكم المالكى مثلا مذهبا لغيره.

ثم قال: فهذا هو معنى الانشاء.

وأما المسألة الاجتهادية فللاحتراز عن مواقع الاجماع فان الحكم هنالك ثابت بالاجماع فيتعذر فيه الانشاء لتعينه وثبوته اجماعا.

وأما تقارب المدارك فللاحتراز من الخلاف الشاذ المبنى على المدرك الضعيف فانه لا يرفع الخلاف بل ينقض فى نفسه اذا حكم بالفتوى المبنية على المدرك الضعيف.

وأما مصالح الدنيا فللاحتراز من العبادات كالفتوى بتحريم السباع وطهارة الاوانى وغير ذلك مما يكون اختلاف المجتهدين فيه لا للدنيا بل للآخرة بخلاف الاختلاف فى العقود والاملاك والرهون والاوقاف ونحوها مما لا يكون الا لمصالح الدنيا.

وبهذا يظهر أن الاحكام الشرعية قسمان:

الاول: ما يقبل حكم الحاكم مع الفتوى فيجتمع الحكمان.

والثانى: ما لا يقبل الا الفتوى.

ويظهر بهذا لك أيضا تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع هل هو من باب الفتوى أو من باب القضاء والانشاء.

[مذهب الشافعية]

جاء فى المجموع: (١) قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح: وينبغى أن يكون المفتى كالراوى فى أنه لا يؤثر فيه قرابة وعداوة وجر نفع ودفع ضر لان المفتى فى حكم مخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص فكان كالراوى لا كالشاهد وفتواه لا يرتبط‍ بها الزام


(١) المجموع شرح المهذب للنووى ج‍ ١ ص ٤١، ٤٢ الطبعة السابقة.