للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك فتوى وليس بناقل ذلك عن مستنيبه بل مستنيبه قال له أى شئ حكمت به على (١) القواعد فقد جعلته حكمى.

فكما أن كلا من المترجم عن القاضى ونائب القاضى موافق للقاضى ومطيع له وساع فى تنفيذ مراده غير أن أحدهما ينقل نقلا محضا من غير اجتهاد له فى التنفيذ والامضاء بين الخصوم والآخر ينفذ ويمضى ما يجتهد فيه من الاحكام على وفق القواعد بين الخصوم كذلك المفتى والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى قابل لحكمه غير أن المفتى مخبر محض والحاكم منفذ وممض.

الجهة الثانية أن كل ما يتأتى فيه الحكم تتأتى فيه الفتوى ولا عكس.

وذلك أن العبادات كلها على الاطلاق لا يدخلها الحكم البتة بل انما تدخلها الفتيا فقط‍ فكل ما وجد فيها من الاخبارات فهى فتيا فقط‍ ليس لحاكم أن يحكم أن هذه الصلاة صحيحة أو باطلة ولا أن هذا الماء دون القلتين فيكون بحلول قليل نجاسة فيه لم تغيره نجسا فيحرم على المالكى بعد ذلك استعماله، بل ما يقال فى ذلك انما هو فتيا، ان كانت مذهب السامع عمل بها والا فله تركها والعمل بمذهبه.

ويلحق بالعبادات أسبابها فاذا شهد بهلال رمضان شاهد واحد فأثبته حاكم شافعى ونادى فى المدينة بالصوم لا يلزم ذلك المالكى لان ذلك فتيا لا حكم.

وكذلك اذا قال حاكم قد ثبت عندى أن الدين يسقط‍ الزكاة أو لا يسقطها أو ملك نصاب من الحلى المتخذ لاستعمال مباح سبب لوجوب الزكاة فيه أو أنه لا يوجب الزكاة أو غير ذلك من أسباب الاضاحى والعقيقة والكفارات والنذور ونحوها من العبادات المختلف فيها أو فى أسبابها لا يلزم شئ من ذلك من لا يعتقده بل يتبع مذهبه فى نفسه ولا يلزمه قول ذلك القائل لا فى عبادة ولا فى سببها ولا شرطها ولا مانعها.

وبهذا يظهر أن الامام لو قال لا تقيموا الجمعة الا باذنى لم يكن ذلك حكما، وان كانت مسألة مختلفا فيها: هل تفتقر الجمعة الى اذن السلطان أم لا، وللناس أن يقيموها بغير اذن الامام الا أن يكون فى ذلك صورة المشاقة وخرق أبهة الولاية واظهار العناد والمخالفة فتمتنع اقامتها بغير أمره لاجل ذلك لا لانه موطن خلاف اتصل به حكم حاكم.

ثم قال صاحب التهذيب وأما ما يتأتى (٢) فيه حكم حاكم فضبطه فى الفروق بأربعة قيود فقال.


(١) المرجع السابق ح‍ ٤ ص ٩٠ الطبعة السابقة.
(٢) تهذيب الفروق بهامش الفروق ج‍ ٤ ص ٩١، ٩٢ الطبعة السابقة.