للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإنكار في الرهن]

[مذهب الحنفية]

جاء في (المبسوط): لو اختلفا في أصل الرهن فقال أحدهما: لم نرتهن، وقال الآخر: بل قد ارتهنا وأقام البينة، وقال الراهن: لم أرهنه لم يكن رهنًا حتى يجتمعا على الدعوى وهو قول أبى يوسف، وكذلك إن كانا شريكين شركة عنان أو مفاوضة وأنكر أحدهما الرهن فقد أكذب شهوده، ومع إكذابه يتعذر القضاء بالرهن في نصيبه فيتعذر القضاء به في نصيب الآخر لأجل الشيوع.

ولو كان شريكى عنان فرهنا جميعًا رهنًا لم يكن لأحدهما أن ينقضه دون صاحبه؛ لأنهما كالأجنبى في نقض كل واحد منهما الرهن في نصيب صاحبه، فإن شركة العنان لا تتضمن إلا الوكالة بالبيع والشراء، وفيما سوى ذلك كل واحد منهما في حق صاحبه ينزل منزلة الأجنبى، فإن نقضه وقبضه فهلك عنده كان المرتهن ضامنًا لحصة الذي لم ينتقض؛ لأنه صار مخالفًا برد حصته على الآخر ويرجع عليهما بماله ويرجع بنصف القيمة التي ضمن على الذي قبض منه الرهن؛ لأن القابض منه لا يرده عليه (١).

وجاء في موضع آخر: وإذا كان الراهن اثنين فادعى المرتهن عليهما رهنًا وأقام البينة على أحدهما أنه رهنه وقبضه والمتاع لهما جميعًا وهما يجحدان الرهن فإنه يستحلف الذي لم يقم عليه البينة ما رهنه؛ لأنه لو لم يقم البينة على واحد منهما توجهت اليمين عليهما، فكذلك إذا لم يقم البينة على أحدهما، وهذا لأنه يدعى عليه ما لو أقر به لزمه، فإذا أنكر استحلف عليه فإن نكل ثبت الرهن عليهما؛ على أحدهما بالبينة وعلى الآخر بالنكول القائم مقام إقراره، فإن حلف رد الرهن عليهما؛ لأن في نصيب الذي حلف انتفى الرهن من الأصل فلا يمكن القضاء في نصيب الآخر؛ لأن نصيبه نصف شائع من العين، ولو كان الراهن واحدًا والمرتهن اثنين فقال أحدهما: ارتهنت أنا وصاحبى هذا الثوب منك بمائة وأقام له البينة وأنكر المرتهن الآخر وقال: لم نرتهنه وقد قبضا الثوب فجحد الراهن الرهن؛ فإن الرهن يرد على الراهن في قول أبى يوسف، وقال محمد: أقضى به رهنًا وأجعله في يد المرتهن الذي أقام البينة أو على يد عدل، فإذا قضى الراهن المرتهن الذي أقام البينة ماله أخذه الرهن، فإن هلك الرهن ذهب نصيب الذي أقام البينة من المال، فأما نصيب الآخر في الرهن فلا يثبت بالاتفاق؛ لأنه أكذب شهوده بجحوده. ثم قال أبو يوسف: لما انتفى الرهن في نصيب الجاحد انتفى في نصيب المدعى أيضًا لأجل الشيوع كما في الفصل الأول، وهذا لأنه لا يمكن القضاء بجميعه رهنًا للذى أقام البينة، بدليل أنه لا يترك في يده وحده وإن بهلاكه لا يسقط جميع دينه، ولا يمكن القضاء له بالرهن في نصفه لأجل الشيوع ومحمد يقول: هو قد أثبت ببينته الرهن في جميع العين وهو خصم في ذلك؛ لأنه لا يتوصل إلى إثبات حقه في نصيبه إلا بإثبات الرهن على الراهن وعلى المرتهن الآخر، فعرفنا أنه خصم في ذلك كله فيقضى بالرهن في جميع حق الآخر وبجحوده صار رادًا للرهن


(١) المبسوط: ٦/ ١٦٦.