للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدعوة ما لم يكن اسرافا (١) أما الصبى المميز فقد ذكر صاحب المقنع والمقدسى أنه يجوز لولى الصبى المميز أن يأذن له فى التجارة فى احدى الروايتين ويصح تصرفه بالاذن والثانية لا يصح حتى يبلغ وهو قول الشافعى لأنه غير مكلف فأشبه غير المميز ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذى يصلح به للتصرف لخفائه وتزايده تزايدا خفى التدريج فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة، ولنا أى على الرواية الأخرى الراجحة قوله تعالى «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ»، ومعناه اختبروهم لتعلموا رشدهم وانما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف اليهم من البيع والشراء ليعلم هل يغبن أم لا ولأنه عاقل مميز محجور عليه فصح تصرفه باذن وليه كالعبد (٢)، والحكم اذا حصل الاذن له أنه لا ينفك عنه الحجر الا فيما اذن له فيه وفى النوع الذى أمر به لأن التصرف انما جاز باذن الولى فزال الحجر فى قدر ما أذن فيه دون غيره كالتوكيل وان أذن له فى جميع أنواع التجارة لم يجز أن يؤجر نفسه ولا أن يتوكل لغيره لأنه عقد على نفسه فلا يملكه بالاذن فى التجارة وتوكيل هذا المأذون غيره فيما يتولى مثله بنفسه على روايتين احداهما لا يجوز لأنه تصرف بالاذن فاختص بما أذن له فيه ولم يؤذن له بالتوكيل. والثانية يجوز لأنه يملك التصرف بنفسه فملكه بنائبه كالمالك الرشيد ولأنه أقامه مقام نفسه (٣).

[مذهب الظاهرية]

ذكر ابن حزم فى كتابه المحلى أنه لا يجوز أن يدفع الى من لم يبلغ شئ من ماله ولا نفقة يوم فضلا عن ذلك الا ما يأكل فى وقته وما لبس لطرد الحر والبرد من لباس مثله ويوسع عليه فى كل ذلك (٤) وقال فى موضع آخر: ولا يحل بيع من لم يبلغ الا فيما لا بد له منه ضرورة كطعام لأكله وثوب يطرد به عن نفسه البرد والحر وما جرى هذا المجرى اذا أغفله أهل محلته وضيعوه ثم قال: وأما بيع من لم يبلغ لغيره بأمر ذلك الآخر وابتياعه له بأمره فهو نافذ جائز لأن يده وعقده انما هما يد الآمر وعقده فهو جائز (٥) ومن هذا يؤخذ أن الصغير مميزا أو غيره لا يؤذن له فى التجارة فى ماله أما فى مال غيره فانه يصح ذلك ويكون تصرفه جائزا نافذا فيما أخبر بمباشرته خاصة وظاهر أنه لا بد من التمييز فى هذه الحال لأنه مدار التصرف دائما.

[مذهب الزيدية]

ذهب الزيدية الى جواز الاذن بالتجارة للعبد والصبى المميزين فقد جاء فى البحر الزخار (٦) وانما يصير الصبى والعبد مأذونين حيث صارا مميزين وأذن لهما وليهما اذنا عاما أو خاصا نطقا أو سكوتا، والحكم اذا صارا مأذونين قد ذكره صاحب البحر الزخار (٧) بقوله: وللمأذون البيع والشراء


(١) المغنى ح‍ ٥ ص ٢٠٠.
(٢) متن المقنع وشرحه والشرح الكبير للمقدسى ح‍ ٤ ص ٦٠٥ طبعة المنار.
(٣) المقنع وشرحه للمقدسى ح‍ ٤ ص ٦٠٦.
(٤) المحلى ح‍ ٨ ص ٣١٨ الطبعة السابقة.
(٥) المحلى ح‍ ٩ ص ٢٠.
(٦) ح‍ ٣ ص ٣٠٢، ٣٠٣.
(٧) ح‍ ٣ ص ٣٠٣، ٣٠٤.