للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمشهور جواز خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهن لعدم المفسدة غالبا، لأن النساء يستحين من بعضهن بعضا فى ذلك (١).

[مذهب الحنابلة]

قالوا (٢): يحرم نظر الرجل الى الأجنبية من غير سبب، والحرمة الى جميعها فى ظاهر كلام أحمد. قال أحمد: لا يأكل مع مطلقته اذ هو أجنبى لا يحل له أن ينظر اليها، كيف يأكل معها، ينظر الى كفها؟ لا يحل له ذلك، بدليل قول الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ، وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ، وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ، وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً. إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً» (٣) ولحديث ابن أم مكتوم السابق ذكره فى مذهب الشافعية.

وعن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرنى أن أصرف بصرى.

وعن على رضى الله عنه قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتبع النظرة النظرة، فانما لك الأولى وليست لك الآخرة»، وفى اباحة النظر الى المرأة اذا أراد تزوجها دليل على التحريم عند عدم ذلك، اذ لو كان مباحا على الاطلاق فما وجه التخصيص لهذه.

وقال القاضى: يحرم عليه النظر الى ما عدا الوجه والكفين لأنه عورة، ويباح النظر اليها مع الكراهة اذا أمن الفتنة ونظر لغير شهوة، لقول الله تعالى «وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ، أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ، وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ. وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (٤).

وروت عائشة رضى الله عنها أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنه دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يا أسماء، ان المرأة اذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها الا هذا وهذا» وأشار الى وجهه وكفيه، رواه أبو بكر وغيره، لأنه ليس بعورة فلم يحرم النظر اليه بغير ريبة.

أما العجوز التى لا يشتهى مثلها فلا بأس بالنظر منها الى ما يظهر غالبا لقول


(١) المجموع فى شرح المهذب للامام أبى زكريا النووى ومعه فتح العزيز، شرح الوجيز للامام الرافعى ج‍ ٧ ص ٨٧ طبع المطبعة العربية بمصر، ادارة لطباعة المنيرية.
(٢) المغنى لابن قدامة والشرح الكبير على متن المقنع ج‍ ٧ ص ٤٦٠ الطبعة الأولى فى مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٥ هـ‍.
(٣) سورة الأحزاب: ٥٣.
(٤) سورة النور: ٣١.