للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لو طلبت الأجنبية رضاعة بأجر مثلها، ولأن في رضاع غيرها تفويتا لحق الأم من الحضانة وإضرارا بالولد ولا يجوز تفويت حق الحضانة الواجب والإضرار بالولد لغرض إسقاط حق الله تعالى على الأب، وقول أبى حنيفة يفضى إلى تفويت حق الولد من لبن أمه، وتفويت حق الأم في إرضاعه لبنها، فلم يجز ذلك كما لو تبرعت برضاعه، فأما إن طلبت الأم أكثر من أجر مثلها ووجد الأب من ترضعه بأجر مثلها أو متبرعة جاز انتزاعه منها لأنها أسقطت حقها باشتطاطها وطلبها ما ليس لها، فدخلت في عموم قولة تعالى: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"، وإن لم يجد مرضعة إلا بمثل تلك الأجرة فالأم أحق لأنهما تساوتا في الأجر فكانت الأم أحق، كما لو طلبت كل واحدة منهما أجر مثلها (١).

[مذهب الظاهرية]

جاء في المحلى أن الواجب على كل والدة حرة كانت أو أمة في عصمة زوج أو في ملك سيد أو كانت خلوا منهما لحق ولدها تولد من مائه أو لم يلحق .. الواجب عليها أن ترضع ولدها أحبت أم كرهت ولو أنها بنت الخليفة، وتجبر على ذلك إلا أن تكون مطلقة، فإن كانت مطلقة لم تجبر على إرضاع ولدها من الذي طلقها إلا أن تشاء هي ذلك فلها ذلك أحب أبوه أم كره، أحب الذي تزوجها بعده أم كره، فإن تعاسرت هي وأبو الرضيع أمر الوالد بأن يسترضع لولده امرأة أخرى ولا بد إلا أن لا يقبل الولد غير ثديها فتجبر حينئذ أحبت أم كرهت، أحب زوجها إن كان لها زوج أم كره، فإن مات أبو الرضيع أو أفلس أو غاب بحيث لا يقدر عليه أجبرت الأم على إرضاعه إلا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضُر به فإنه يسترضع له غيرها، ويتبع الأب بذلك إن كان حيا وله مال. فإن لم تكن مطلقة لكن في عصمته أو منفسخة النكاح منه أو من عقد فاسد بجهل فاتفق أبوه وهى على استرضاعه وقبل غير ثديها فذلك جائز، فإن أراد أبوه ذلك فأبت هي إلا إرضاعه فلها ذلك، فإذا أرادت هي أن تسترضع له غيرها وأبى الوالد لم يكن لها ذلك وأجبرت على إرضاعه سواء قبل غير ثديها أو لم يقبل غير ثديها إلا أن لا يكون لها لبن، أو كان لبنها يضر به فعلى الوالد حينئذ أن يسترضع لولده غيرها، فإن لم يقبل في كل ذلك إلا ثدى أمه أجبرت على إرضاعه إن كان لها لبن لا يضر به، فإن كان لا أب له إما بفساد الوطء بزنا أو إكراه أو لعان أو بحيث لا يلحق بالذي تولد من مائه وإما بموت أبيه فالأم تجبر على إرضاعه إلا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضر به. أما إجبار الأم على إرضاع ولدها دون تفريق في ذلك بينا شريفة ووضيعة فلقول الله عز وجل: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" (٢). وهذا عموم لا يحل لأحد أن يخص منه شيئا إلا ما خصه نص ثابت، وأما استثناء المطلقة من الإِجبار على إرضاع ولدها من الذي طلقها فلقول الله عز وجل في سورة


(١) المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدس على مختصر أبى القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ ٧ ص ٦٢٧ وما بعدها إلى ص ٦٢٩ بتعليق السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثالثة الله طبع دار المنار بمصر سنة ١٣٦٧ هـ.
(٢) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.