للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكذلك عندنا وبه يقول الثورى والشافعى وأصحاب الرأى رضى الله تعالى عنهم، وقال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح رضى الله تعالى عنهما: له إجبارها على رضاعه، وهو قول أبى ثور ورواية عن مالك لقول الله عز وجل: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" (١)، والمشهور عن مالك أنها إن كانت شريفة لم تجر عادة مثلها بالرضاع لولدها لم تجبر عليه، وإن كانت ممن ترضع في العادة أجبرت عليه. ويدل لنا قول الله عز وجل: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" (٢)، وإذا اختلفا فقد تعاسرا، ولأن الإِجبار على الرضاع لا يخلو إما أن يكون لحق الولد أو لحق الزوج أو لهما؛ لا يجوز أن يكون لحق الزوج فإنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمته فيما يختص به، ولا يجوز أن يكون لحق الولد فإن ذلك لو كان له للزمها بعد الفرقة، ولأنه ما يلزم الوالد لولده، فلزم الأب على الخصوص كالنفقة أو كما بعد الفرقة، ولا يجوز أن يكون لهما لأن ما لا مناسبة فيه لا يثبت الحكم بانضمام بعضه إلى بعض، ولأنه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة، والآية محمولة على حال الإِنفاق وعدم التعاسر وإذا طلبت الأم إرضاع الولد بأجر مثلها فهى أحق به، سواء كانت في حال الزوجية أو بعدها، وسواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد، وقال أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم: إن كانت في حبال الزوج فلزوجها منعها من إرضاعه لأنه يفوت حق الاستمتاع بها في بعض الأحيان، وإن استأجرها على رضاعه لم يجز لأن المنافع حق له فلا يجوز أن يستأجر منها ما هو أو بعضه حق له، وإن أرضعت الولد فهل لها أجر المثل؟ على وجهين، وإن كانت مطلقة وطلبت أجر المثل فأراد انتزاعه منها ليسلمه إلى من ترضعه بأجر المثل أو أكثر لم يكن له ذلك وإن وجد متبرعة أو من ترضعه بدون أجر المثل فله انتزاعه منها في ظاهر المذهب لأنه لا يلزمه التزام المؤنة مع دفع حاجة الولد بدونها، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: إن طلبت الأجر لم يلزم الأب بذلها لها ولا يسقط حقها من الحضانة، وتأتى المرضعة ترضعه عندها لأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز الإخلال بأحدهما. ويدل لنا على جواز الاستئجار أنه عقد إجارة يجوز من غير الزوج إذ أذن فيه فجاز مع الزوج كإجارة نفسها للخياطة أو الخدمة، وقولهم إن المنافع مملوكة له غير صحيح فإنه لو ملك منفعة الحضانة لملك إجبارها عليها ولم تجز إجارة نفسها لغيره بإذنه، ولكانت الأجرة له، وإنما امتنعت إجارة نفسها لأجنبى بغير إذنه لما فيها من تفويت الاستمتاع في بعض الأوقات ولما جاز بإذنه، وإذا استأجرها فقد أذن لها في إجارة نفسها فصح كما يصح من الأجنبى، وأما الدليل على وجوب تقديم الأم إذا طلبت أجر مثلها على المتبرعة فقول الله عز وجل: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (٣)، وقوله سبحانه: "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن" (٤) ولأن الأم أحنى وأشفق ولبنها أمرأ من لبن غيرها فكانت أحق به من غيرها، كما


(١) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٢) الآية رقم ٦ من سورة الطلاق.
(٣) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٤) الآية رقم ٦ من سورة الطلاق.