للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جائعا تضييع إلى آدمى فيجبر المولى على الإِنفاق، هذا إذا كان المملوك آدميا أما نفقة البهائم فلا يجبر عليها في ظاهر الرواية ولكنه يفتى فيما بينه وبين الله تعالى أن ينفق عليها، وروى عن أبى يوسف أنه يجبر عليها لأن في تركه جائعا تعذيب الحيوان بلا فائدة وتضييع المال، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك كله، ولأنه سفه لخلوه عن العاقبة الحميدة، والسفه حرام عقلا، وجه ظاهر الرواية أن الجبر على الحق يكون عند الطلب والخصومة من صاحب الحق، ولا خصم فلا يجبر ولكن تجب فيما بينه وبين الله عز وجل لما قاله أبو يوسف رضى الله تعالى عنه، وأما نفقة الجمادات كالدور والعقار فلا يجبر عليها لما قلنا، ولا يفتى أيضا بالوجوب إلا أنه إذا كان هناك تضييع المال فيكره له ذلك (١).

[مذهب المالكية]

أولا: حكم الامتناع من نفقة الزوجة: جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن الزوج الموسر إذا امتنع من نفقة الزوجة وكسوتها فشكت الزوجة إلى الحاكم ألزمه بأحد أمرين؛ بأن يقول له إما أن تنفق عليها أو تطلقها، فإن أنفق وكسا أو طلق فلا كلام، وإن أبى من ذلك ومن الطلاق فإن الحاكم يطلق عليه حالا بلا تلوم على المعتمد، وقيل بعد التلوم. قال الدسوقى: وجماعة المسلمين العدول يقومون مقام الحاكم في ذلك وفى كل أمر يتعذر الوصول فيه إلى الحاكم أو لكونه غير عدل، والواحد منهم كاف كما قال شيخنا رحمه الله تعالى (٢)، وقال صاحب مواهب الجليل: إن من لم يثبت عسره وامتنع من الإِنفاق والطلاق تارة يقر بأنه ملئ وتارة يدعى العسر، فإن ادعى أنه معسر تلوم له، وإن أقر بأنه ملئ فحكى ابن عرفة رضى الله تعالى عنه في ذلك قولين أحدهما أنه يعجل عليه الطلاق، والثانى أنه يسجن حتى ينفق وعليه إن كان له مال ظاهر أخذت النفقة منه كرها. وحكم الغائب في الطلاق بعدم النفقة كحكم الحاضر، قال في التوضيح: وهو المشهور، وقال القابس رحمه الله تعالى: لا يطلق على غائب لأنه لم يستوف حجته، وعلى الأول فلابد من أن تثبت الزوجية وأنه قد دخل بها أو دعا إلى الدخول، والغيبة بحيث لا يعلم موضعه. أو علم ولم يمكن الإِعذار إليه فيه، وأما إن علم وأمكن الإِعذار إليه فإنه يعذر إليه، ولا بد من أن تشهد لها البينة بأنها لا تعلم أن الزوج ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا يعوى فيه بشئ من مؤنتها ولا أنه بعث إليها بشئ وصل إليها في علمهم إلى هذا الحين، ثم بعد ذلك يضرب لها أجلا على حسب ما يراه، ثم يحلفها ما شهدت لها البينة، وحينئذ إن دعت إلى الطلاق طلقها هو أو أباح لها التطليق. ونقل ابن عرفة رحمه الله تعالى نحو ما تقدم عن المتيطى. ولابن سهل رحمه الله تعالى في بكر قام أبوها بتوكيلها إياه قبل البناء بذلك أفتى ابن عات أنها تحلف، فإذا حلفت طلقت نفسها، وأفتى ابن القطان رضى الله تعالى عنه أنه لا يمين عليها ولا على أبيها ولها أن تطلق


(١) المرجع السابق جـ ٤ ص ٤٠ نفس الطبعة.
(٢) الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفة الدسوقى جـ ٢ صلى ٥١٩ في كتاب على هامشه الشرح المذكور طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.