للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقاء الواجب. ولو أنفقت من مالها بعد الفرض أو التراضى فلها أن ترجع على الزوج لأن النفقة صارت دينا عليه، وكذلك إذا استدانت على الزوج لما قلنا، سواء كانت استدانتها بإذن القاضي أو بغير إذنه. ولو فرض الحاكم النفقة على الزوج فامتنع من دفعها وهو موسر وطلبت المرأة حبسه فلها أن تحبسه لأن النفقة لما صارت دينا عليه بالقضاء صارت كسائر الديون، إلا أنه ينبغى ألا يحبسه في أول مرة تقدم إليه، بل يؤخر الحبس إلى مجلسين أو ثلاثة يعظه في كل مجلس يقدم إليه، فإن لم يدفع حبسه حينئذ كما في سائر الديون، وإذا حبس لأجل النفقة فما كان من جنس النفقة سلمه القاضي إليها بغير رضاه بالإجماع، وما كان من خلاف الجنس لا يبيع عليه شيئا من ذلك ولكن بأمره أن يبيع بنفسه وكذا في سائر الديون في قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وعند أبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهما: يبيع عليه (١) ثانيا حكم الامتناع عن نفقة الأقارب: جاء في بدائع الصنائع أن نفقة الأقارب تجب على وجه لا تصير به دينا في الذمة أصلا، سواء فرضها القاضي أولا بخلاف نفقة الزوجات فإنها تصير دينا في الذمة بفرض القاضي أو التراضى، حتى لو فرض القاضي للقريب نفقة شهر فمضى الشهر ولم يأخذ فليس له أن يطالبه بها، يل تسقط. ويحبس في نفقة الأقارب كما يحبس في نفقة الزوجات، أما غير الأب فلا شك فيه، وأما الأب فيحبس في نفقة الولد أيضا، ولا يحبس في سائر ديونه لأن ايذاء الأب حرام في الأصل وفى الحبس إيذاؤه، إلا عن الولد إذ لو لم ينفق عليه لهلك فكان فهو بالامتناع من الإِنفاق عليه كالقاصد إهلاكه فدفع قصده بالحبس ويحمل هذا القدر من الأذى لهذه الضرورة وهذا المعنى لم يوجد في سائر الديون هاهنا ضرورة أخرى وهى ضرورة استدراك هذا الحق أعنى النفقة لأنها تسقط بمضى الزمان فتقع الحاجة إلى الاستدراك بالجبس لأن الحبس يحمله على الأداء فيحصل الاستدراك، ولو لم يحبس يفوت حقه رأسا فشرع الحبس في حقه لضرورة استدراك الحق صيانة له عن الفوات، وهذا المعنى لا يوجد في سائر الديون لأنها لا تفوت بمضى الزمان فلا ضرورة إلى الاستدراك بالحبس، ولهذا قال أصحابنا رضى الله تعالى عنهم: إن الممتنع من النفقة يضرب ولا يحبس بخلاف الممتنع من سائر الحقوق لأنه لا يمكن استدراك هذا الحق بالحبس لأنه يفوت بمضى الزمان فيستدرك بالضرب بخلاف سائر الحقوق، وكذلك الجد أب الأب وإن علا لأنه يقوم مقام الأب عند عدمه (٢). ثالثا: حكم الامتناع عن نفقة المملوك: جاء في بدائع الصنائع أن نفقة المملوك تجب على وجه يجبر عليها عند الطلب والخصومة في الجملة، وبيان ذلك أن المملوك إذا خاصم مولاه في النفقة عند القاضي فإن القاضي يأمره بالنفقة عليه، فإن أبى ينظر القاضي فكل من يصلح للإجازة يؤاجره وينفق عليه من أجرته أو يبيعه إن كان محلا للبيع كالقن ورأى البيع أصلح ولا يجبر على الإنفاق، وإن لم يصلح للإجارة بأن كان صغيرا أو جارية ولا محلا للبيع كالمدبر وأم الولد يجبره على الإنفاق لأنه لا يمكن بيعه ولا إجارته، وتركه


(١) المرجع السابق جـ ٤ ص ٢٨، ص ٢٩ نفس الطبعة.
(٢) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى جـ ٤ ص ٣٨ الطبعة السابقة.