للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلم: «من احتكر طعاما .. » اى اشتراه وحبسه ليغلو فيغلو.

ومن هذا يتبين بوضوح أن معانى المادة كلها تدور حول الظلم فى المعاملة وحبس شئ من الأشياء لاستبداد بشأنه.

ومنه ما ورد فى استعمال الشريعة من عصر النبوة إلى أن عرفه الفقهاء فى كتبهم بما لا يخرج عن ذلك فى الجملة.

[التعريف الفقهى للاحتكار]

يقول الحصكفى من الأحناف فى شرح الدر المنتقى (١) نقلا عن الشرنبلالية عن الكافى: أن الاحتكار شرعا اشتراء الطعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوما لقوله عليه الصلاة والسلام: «من احتكر على المسلمين أربعين يوما ضربه الله بالجذام والإفلاس».

ثم قال: وقيل شهر وقيل أكثر، وبين الحصكفى أن تكثيرة مدة الأيام للمعاقبة فى الدنيا بنحو البيع والتعزير لا للإثم لحصوله وإن قلت المدة، وتفاوت الإثم بين تربص المحتكر لعزة الطعام وندرته أو للقحط‍.

وقد رجعنا الى حاشية الشرنبلالى على درر الحكام شرح غرر الأحكام (٢) فوجدنا ما يأتى تعليقا على قول صاحب الغرر:

كره احتكار قوت البشر والبهائم: الاحتكار حبس الطعام للغلاء افتعال من حكر إذا ظلم ونقص وحكر بالشئ إذا أستبد به وحبسه عن غيره، وتقييده بقوت البشر والبهائم قول أبى حنيفة ومحمد وعليه الفتوى، وقال أبو يوسف: كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار وإن كان ذهبا أو فضة أو ثوبا. كذا فى الكافى.

وأما تقدير مدة حبس الطعام فقد ورد فى كلام صاحب الدرر إذ يقول: «ومدة الحبس قيل أربعون يوما وقيل شهر وهذا فى حق المعاقبة فى الدنيا، لكن يأثم وإن قلت المدة».

ويقول البابرتى (٣) الحنفى: إن المراد بالاحتكار «حبس الأقوات تربصا للغلاء» وهذا التعريف أقرب إلى ما أورده الشرنبلالى فإنه لم يقيد الحبس بكونه على سبيل الشراء، ولم يذكر نحو الأقوات، وقد اختلف كل منهما عن الحصكفى من هاتين الناحيتين.

وقد وافق صاحب الاختيار الحصكفى فى تقييد الحبس بكونه على سبيل الشراء وإن كان قصر على الطعام كالبابرتى والشرنبلالى، وأشار صاحب الاختيار الموصلى الحنفى إلى شمول الاحتكار للشراء من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى مصر، فقال (٤): «إن الاحتكار أن


(١) الدر المنتقى على متن الملتقى بهامش مجمع الأنهر ج‍ ٢ ص ٥٤٧ طبعة الاستانة سنة ١٣٢٧ هـ‍.
(٢) ج‍ ١ ص ٤٠٠.
(٣) فى كتابه العناية بهامش فتح القدير على الهداية ج‍ ٨ ص ١٢٦.
(٤) الاختيار شرح المختار ج‍ ٣ ص ١١٥ طبعة مصطفى الحلبى سنة ١٣٥٥ هـ‍.