للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قتلى من قتلهم خالد بن الوليد بعد إعلانهم الخضوع إذ استنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك عليه والتزم بدفع دية القتلى على أساس أن ذلك وقع خطأ وقال "اللهم إنى أبرأ إليك مما فعل خالد" وبعث في ذلك على بن أبي طالب رضى الله عنه وقد استن سنته - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الخلفاء الراشدون ومن ذلك انتصار عمر رضى الله عنه للقبطى الذي ضربه بن عمرو بن العاص حين سبقه في السباق قائلا له "أتسبق ابن الأكرمين" فلقد أحضره عمر حين شكاه القبطى إليه وأمره أن يقتص لنفسه قائلا "اضرب ابن الأكرمين" وسيرة عمر بن عبد العزيز مليئة برد الظلامات والحقوق وإنصاف المظلومين ومن ذلك أن أهل سمرقند شكوا إليه قائده قتيبة بن مسلم لأنه قاتلهم قبل أن يعرض الإِسلام عليهم أو العهد فبعث لهم عمر من ينظر في هذه الظلامة فأمر أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وأن ينابذهم المسلمون على سواء فقال أهل سمرقند نرضى بما كان ولا نريد حربا جديدة. ولقد جاءه وفد من أحد الأقاليم يشكون إليه ظلما فقال لهم لا تجشموا أنفسكم مشقة السفر في طلب الحق بل أطلبوه وأنتم في بلدكم مطمئنون في دياركم والنتيجة أن النظر في المظالم كان مرده إلى فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسلك خلفائه من بعده. وقد روى أن أول من نظر في المظالم بانتظام على بن أبي طالب ولما غلب على الناس الطابع المادى الدنيوى وذلك في عهد بنى أمية وما يليه أصبح نظر المظالم ولاية متميزة وإمارة خاصة بها متميزة عن ولاية القضاء وولاية الحسبة. وكان عبد الملك بن مروان من أول من خصص لهذه الولاية يوما للنظر فيها سواء بنفسه أو بواسطة أعوانه وكذلك فعل من بعده من العباسيين المهدى ثم الهادى ثم الرشيد ثم المأمون. ولقد كتب أبو يوسف إلى هارون الرشيد في كتابه الخراج قوله "يا أمير المؤمنين تقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالجلوس لمظالم رعيتك تتسمع من المظلوم وتنكر على الظالم ولعلك لا تجلس بهذا إلا مجلسا أو مجلسين حتى يشيع ذلك في الأمصار والمدن فيخاف الظالم وقوفك على ظلمه (١).

[ديوان المظالم]

لقد أصبح النظر في المظالم بمرور الزمن ولاية لها أناظيمها وحدودها وعمال يقومون عليها. لهم أمير أو ناظر يختار من علمة القوم ومن ذوى المكانة والجاه معروف بالتقوى والورع وقلة الطمع كما أورد أبو يعلى حين يقول لناظر المظالم في فضل الهيبة وقوة اليد في كف الخصوم عن التجاحد ورفع الظلمة من التغالب والتجاذب ما ليس للقضاة فالناظر في المظالم يجب أن يكون جليل القدر نافذ الأمر عظيم الهيبة ظاهر العفة قليل الطمع كثير الورع لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة وتثبت القضاة فاحتاج إلى الجمع بين الصفتين (٢).

وقد ذهب بعض العلماء إلى التعبير عن ديوان المظالم باسم المحكمة العليا وكانت رياستها للخليفة أو لمن ينيبه ومن أعضائها قاضى القضاة وكبار. رؤساء الدواوين وبعض رجال الفقه والإفتاء. وكان لأحكامها قوة ليست لأحكام القضاء التي كثيرا ما كان يُلجأ في تنفيذها إليهم


(١) الأحكام السلطانية للماوردى والأحكام السلطانية لأبى يعلى والكامل في التاريخ لابن الأثير والخراج لأبى يوسف.
(٢) الأحكام السلطانية للماوردى والأحكام السلطانية للقاضى أبي يعلى في ولاية المظالم.