للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا سبيل الى معرفة عينة، فكان دينا، كالوديعة اذا لم يعرف عينها، وكما اذا خلطها بماله على وجه لا يتميز منه، ولأنه لا سبيل الى اسقاط‍ حق رب المال، لأن الأصل بفاؤه ولم يوجد ما يعارض ذلك ويخالفه، ولا سبيل الى اعطائه عينا من التركة، لأنه يحتمل أن تكون غير مال المضاربة فلم يبق الا تعلقه بالذمة.

[مذهب الظاهرية]

جاء فى المحلى (١): أنه ان بيع شئ من الغائبات بغير صفة، ولم يكن مما عرفه البائع، لا برؤية، ولا بصفة من يصدق ممن رأى ما باعه ولا مما عرفه المشترى برؤية أو بصفة من يصدق، فالبيع فاسد مفسوخ أبدا، لا خيار فى جوازه أصلا

ويجوز ابتياع المرء ما وصفه له البائع، سواء صدقه أو لم يصدقه.

ويجوز بيع المرء ما وصفه له المشترى صدقه، أو لم يصدقه.

فان وجد المبيع بتلك الصفة فالبيع لازم.

وان وجد بخلافها فالبيع باطل ولابد.

ويجوز بيع الحب بعد اشتداده كما هو فى أكمامه بأكمامه، وبيع الكبش حيا ومذبوحا كله لحمه مع جلده، وبيع الشاة بما فى ضرعها من اللبن، وبيع النوى مع التمر، لأنه كله ظاهر مرئى.

ولا يحل بيعه دون أكمامه، لأنه مجهول، لا يدرى أحد صفته، ولا بيع اللحم دون الجلد، ولا النوى دون التمر، ولا اللبن دون الشاة كذلك.

ولا يخلو بيع كل ذلك قبل ظهوره من أن يكون اخراجه مشترطا على البائع، أو على المشترى، أو عليهما، أو على غيرهما، أو لا على أحد.

فان كان مشترطا على البائع أو على المشترى، فهو بيع (٢) بثمن مجهول، واجارة بثمن مجهول، وهذا باطل، لأن البيع لا يحل بنص القرآن الا بالتراضى والتراضى بضرورة الحس لا يمكن أن يكون الا بمعلوم لا بمجهول، فكذلك ان كان مشترطا عليهما أو على غيرهما.

والبرهان على بطلان بيع ما لم يعرف برؤية ولا بصفة صحة نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وهذا عين الغرر، لأنه لا يدرى ما اشترى أو باع، وقول الله تعالى «إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» (٣)، ولا يمكن أصلا وقوع التراضى على ما لا يدرى قدره ولا صفاته.


(١) المحلى لأبن حزم الظاهرى ج ٨ ص ٣٤٢ مسألة رقم ١٤١٣ الطبعة السابقة.
(٢) المحلى لابن حزم الظاهرى ج ٨ ص ٣٤٣ الطبعة السابقة.
(٣) الآية رقم ٢٩ من سورة النساء.