للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التفكير واستعمال العقل والبحث والاجتهاد في استنباط أحكام الحوادث المتجددة التي لا يوجد لها حكم في النصوص القائمة من نصوص الكتاب والسنة بعد النهم والتمحيص وعلى مقتضى الأدلة والقواعد التي قررتها الأصول ..

وليس الأمر كما فهم هذا المستشرق وقرر أنهم كانوا أداة تنفيذ فحسب.

[من أين يستمد الخليفة سلطته]

سبق القول بأن الشيعة يرون أن الإمامة ركن من أركان الدين وأصل من أصوله لا يقوم ولا يصح إلا بها .. وأن تعيين الإمام وإقامته واجب على الله تعالى بالنص عليه نصا جليا أو خفيا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من الإمام قبله أو بوصية منه وأن للإمام ولاية وسلطانا على الأمة يستمدها من الله تعالى بحكم تعيينه كولاية النبي وسلطانه على الأمة يستمدها بحكم النبوة والرسالة من الله بلا شك ولا نزاع عندهم في أن الإمام يستمد سلطته من الله تعالى والإِمامة عندهم كما سبق امتداد للنبوة ..

أما أهل السنة وجمهور المعتزلة والخوارج وبعض الزيدية فإنهم يقولون أن نصب الإِمام وإقامته واجب على الأمة بالإجماع والأدلة التي ذكروها وأشرنا إليها فيما سبق.

والأصل في تعيينه الاختيار والبيعة من أهل الحل والعقد من المسلمين وحتى من أقيم في الإمامة بطريق العهد من الإمام قبله .. مرجعه إلى الاختيار والبيعة لأن الإمام قبله أقيم بهذا الطريق على ما تقدم من أن الراجح عند أهل السنة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم ينص على أحد بعده ولم يستخلف شخصا ما ليكون إمامًا وخليفة بعده .. فالمعين بطريق الاختيار حين يعهد بالإِمامة إنما ينيب عن الأمة شخصا يثق به فيما هو نائب عنها فيكون تعيننه في الحقيقة مستندا إلى عقد الأول وبيعته ..

والذي ينوب عن الغير ويتصرف في شئونه بمقتضى هذه النيابة وبحكم السلطة التي يستمدها منها.

أما أن يكون بإنابة نفس الشخص كالوكيل ينوب عن الموكل بإنابته ويستمد سلطته وصفته في التصريف في شئون الموكل من نفس الموكل وفى حدود التوكيل .. وكوصى الميت .. فإن الميت غائب ووصيه قائم مقامه بإنابته ..

وأما أن يكون بإنابة الشارع كولى الصغير أبيه أو جده في أمور المال أو في غيرها. فإن الشارع هو الذي أعطاهما حق وصف الولاية وخولهما التصرف في شئون الصغير في الحدود التي رسمها .. وكالوصى على اليتيم الذي يعينه القاضي ..

وقد قلنا إن الإِمام يعين بالاختيار والبيعة، وقلنا إن البيعة عقد يجرى بين الطرفين .. المسلمين والمرشح للخلافة يعطى كل منهما من نفسه لصاحبه .. ويأخذ من صاحبه لنفسه وبتمام البيعة يصبح كل من الطرفين وفى عنقه لصاحبه قيد وثيق لا يستطيع له نزعا ..

وبمقتضى هذه البيعة تثبت صفة الإمامة والخلافة ويتوجه على شخصه خطاب التكليف ويصبح مسئولا أمام المسلمين وأمام الله سبحانه وتعالى عن كل ما يناط بالخليفة من واجبات وأعباء ويثبت له من حقوق ..

فعقد البيعة في حقيقته بمثابة عقد وكالة من الأمة للخليفة بأن يتصرف في أمورها وشئونها الدينية والدنيوية في داخل المجتمع وخارجه في الحدود التي رسمها الشارع الإسلامي والنطاق الذي حدده ..