للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يمكن أن يكون أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهو أول خليفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين بعد وفاته - قد خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما كان له من سلطان روحى وولاية خالصة على المسلمين أمده الله بهما وفرض على المسلمين الخضوع والتسليم والإذعان بملئ القلب في ذلك وأشار إليه سبحانه بقوله: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ..

وقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} ..

ولا يمكن أن يخلف خليفة رسول الله في شئون التشريع وتقرير أحكام الدين والشريعة عن طريق الوحى .. فقد انتهت الرسالة وانقطع الوحى بوفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ..

ولم يبق لأحد كائنا من كان أن يدعى الاتصال بالسماء أو يتعرف حكم الدين من الوحى أو الإلهام أو عن طريق غيبى مهما كان نوعه أو تصوره أو أنه يعالج شئون الحكم في مجتمع المسملين بقوة روحية أيا كان مصدرها وإنما خلف أبو بكر وخلف الخلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى سلطانه المادى الذي كان له على المسلمين - وبمقتضاه يسوس أمور المسلمين ..

ويدبر شئونهم ومصالحهم الدينية والدنيوبة في ظل من أحكام الدين وعلى هدى من أحكام الشريعة وما رسمه كتاب الله وبنيته سنة رسول الله لا يحب عن ذلك ولا يخرج عنه قيد أنملة.

وهم في هذا وبهذا يحافظون على الدين وينفذون أحكامه ويقيمون حدوده ويدافعون عن حوزة الإِسلام ويصدون أطماع أعداء المسلمين ..

انظر إلى تعريف الخلافة الذي أسلفنا الاسشارة إليه ونقلنا أقوال العلماء تجده يحدد مفهوم الخلافة ويبين الإطار الذي يعمل فيه الخليفة والنهج الذي يسير عليه ..

ومن ثم كان اتفاقهم على التعريف بأن الخلافة نيابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حفظ الدين وسياسة المسلمين بأحكامه ومبادئه ..

يقول المستشرق "جرونيبام" (١) في كتابه: "لقد أقام محمد بمعونة أتباعه حكومة دينية وذلك أن تكليفه بأداء الرسالة ناط به السلطة السياسية" ولم تكن الجماعة الإسلامية أي فارق بين ما هو زمنى - أي مادى - وما هو روحى إذا ما أريد تعريف تلك السلطة وتحديدها.

وكان ما حدث من المسيحية من شقاق بين الكنيسة والدولة أمرًا لا محل له في الإِسلام إذا كانت السلطة الزمنية في الإِسلام مندمجة في السلطة الروحية. وما أن توفى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تعد العناية الربانية تبعث بوحيها على لسان رسول الله وصفيه حتى اقتصر أمر الدولة على الأعمال التنفيذية.

وبذلك أصبح الدين والسياسة والإِدارة مرتبطان ارتباطا لا تنفصم عراه في واجبات موظفى الدولة ..

فهو يرى أن الأمر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - غير ما كان في عهده وحال حياته من حيث السلطة الروحية والتشريع في الأحكام غير أنه يؤخذ عليه أنه جعل مهمة القادة والقائمين على الأمر في المسلمين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - قاصرة على مجرد التنفيذ مع أن الشارع قد طلب إلى المسلمين


(١) حضارة الإسلام لجيرونيبام ص ١٩٨.