وأثاره لخير المجتمع وصالحه ..
وإذا كان من أهداف الإِسلام أن يقيم المجتمع الإسلامي الفاضل المتكامل القوى البناء ..
فإنه لابد أن يضع لهذا المجتمع السياسة الحكيمة التي تنظمه وتكفل له أن يبقى في الحياة سليما معافى من دواعى التفكك والإِنحلال ..
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سيد هذا المجتمع وقائده ومدبر أموره وصانع سياسته في شئون الدين والدنيا وفي الجانبين المادى والروحى بتوجيه من العناية الإِلهية التي صنعته واختارته للرسالة .. وفى فيض من نور السماء .. وعلى هدى من أحكام الدستور الخالد المنزل عليه من عند الله العزيز الحكيم .. يقيم لهم دينهم الذي جاء به ورضيه الله لهم .. ويدبر لهم شئون دنياهم التي يتغلبون فيها ويتعاملون معها .. يبلغهم ما أنزل إليه من ربه ويبين ما في هذا التنزيل ويفصله تفصيلا بقوله وفعله …
ويقيم الدعوة إلى الله .. ويرسم مناهجها ويحميها ويؤمن طريقها ويقوم على التنفيذ والتدبير يأمر بالجهاد ويقيم الجيش ويعد له العدة ويقود المجاهدين بنفسه وبمن يختاره ويرسم الخطط الكفيلة بتحقيق النصر ..
يأخذ الزكاة ومقررات الأموال كما أمر الله ويصرف ما جمع في مصارفه ووجوهه كما بين الله يقضى بين الناس ويعالج مشاكلهم وأحداثهم ويقيم عليهم الحدود والتعازير فيما ارتكبوا من مآثم واجترحوا من سيئات، ويرسل الولاة والعمال لتدبير شئون المسلمين وتعليمهم أحكام الدين وإمامتهم والقضاء بينهم والتنفيذ عليهم ..
فكانت لهم عامة السلطة الدينية والدنيوية بالتبليغ والبيان والتشريع والإِلزام والتنفيذ وتدبير الأمور وعلاج شئون الحياة في جوانبها وأحوالها المختلفة ..
وكانت له الولاية العامة على المسلمين ولاية منشئوها إيمان القلب إيمانا عميقًا وخضوعه خضوعا كاملا وفيضان الروح بالإخلاص لله ورسوله ومحبة الله ورسوله والتعلق بهما وإيثارهما على الحياة كلها بما فيها ومن فيها ..
قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وقال: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} والسلطتان ممتزجتان مستمدتان من الله تعالى الذي صنعه على عينه واختاره للرسالة وأمره بالتبليغ والبيان وجعل له وعليه التطبيق والتنفيذ واجب على المسلمين الإيمان به والعمل بما جاءهم به والطاعة والخضوع له ..
فكان بهذا كله إلى جانب أنه نبى مرسل - شرعا وملزما ومنفذا وواجب الطاعة والخضوع .. وكان زعيما وحاكما وقائدا وسياسيًا يسوس الناس بأحكام الله ويدبر شئونهم ومصالحهم على مقتضى شريعة الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}.
ففى أي جانب مما ذكرنا يخلف الخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أين يستمد الخليفة سلطته فيما يخلفه فيه؟.