للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسنبين فيما بعد إن كان خلاف هؤلاء في الوجوب يؤثر في الإجماع الذي احتج به أهل السنة أو لا يؤثر.

رابعا:

أن إقامة الإِمام واجب على الله تعالى. وأن هذا أصل من أصول الدين وركن من أركانه لا يمكن أن يغفل النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر تعيين الإمام ولا أن يترك ذلك للأمة تختاره وتقيمه لأن الإمام يجب أن يكون معصوما وجوبا عن الصغائر والكبائر وأن يكون أفضل أهل زمانه وأعلمهم بعلوم الدين والشريعة وغيرها. وهذا مما لا يعلمه إلا الله تعالى .. وسيأتى الكلام على مذاهبهم في الإِمامة والإمام وفرقهم وأدلتهم ومناقشتها والرد عليها ..

وإلى هنا بينا المذاهب والآراء في حكم الإِمامة .. وأدلة الفرق التي خالفت أهل السنة. فيما عدا الشيعة .. ومناقشة هذه الأدلة .. وسنبين الآن أدلة أهل السنة.

[أدلة أهل السنة]

ذكرنا أن العلماء قد احتجوا لأهل السنة بالإجماع .. والدليل النظرى المبنى على القواعد الشرعية، والكتاب والسنة وقد أثار البعض كلاما حول هذه الأدلة يشكك في وجود بعضها ودلالته وينتهى إلى عدم صحة الاستدلال بشئ منها. وسنبين ذلك مبتدئين بالإجماع الذي اتفق عليه أكثر العلماء.

[بالنسبة للإجماع]

أثار البعض كلاما حول الإجماع يتضمن أن بعض الأشخاص أو بعض الفرق قد أنكر حجية الإجماع كدليل شرعى للأحكام وأن البعض أنكر تصور حدوثه وانعقاده على أمر غير ضرورى .. وأن بعض الأئمة ذهب إلى أنه لا إجماع إلا للصحابة أو من عترة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أي قرابته. أو لأهل المدينة.

وأن من الأئمة من قال: من ادعى الإِجماع فهو كاذب .. وإذا سلم فإنه لم يقم إجماع من المسلمين في موضوع حكم الإِمامة: وما ذكر من ذلك هنا أو هناك لا يعتد به ولا يعتبر دليلا لأنه كان وليد الضغط والإكراه، وتحت بريق السيوف من خلال السلاح.

وأخيرا فإن الأصم وبعض الخوارج وغيرهم قد خالفوا في الحكم المدعى الإِجماع عليه وهذا كاف في نقض الإِجماع، فكيف التمسك به مع هذا؟

جاء في كتاب (١) الإِسلام وأصول الحكم للمغفور له الأستاذ على عبد الرازق الوزير السابق في حديثه عن استدلال العلماء والمتكلمين من أهل السنة على وجوب الخلافة وإقامة الخليفة ما يأتى: "زعموا وقد فاتهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على امتناع خلو الوقت من إمام حتى قال أبو بكر رضى الله عنه في خطبته المشهورة حين وفاته عليه الصلاة والسلام: "ألا إن محمدًا قد مات ولابد لهذا الدين ممن يقوم به. فبادر الكل إلى قبوله وتركوا له أهم الأشياء وهو دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر وإلى زماننا من نصب إمام متبع في كل مصر .. فسلم أن الإِجماع حجة شرعية ولا نثير خلافا في ذلك مع المخالفين. وعلق على هذه العبارة في الهامش بقوله: "الإجماع حجة مقطوع بها عند عامة المسلمين".


(١) كتاب الإسلام وأصول الحكم للمغفور له الأستاد علي عبد الرازق ص ٢١ وما بعدها طبع شركة مصر سنة ١٩٢٥.