للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيا:

أن الجاحظ والخياط والكعبى وأبا الحسين البصرى من المعتزلة يرون أن نصب الإمام واجب على الأمة ولكن بطريق العقل لا بطريق الشرع، وأن الإجماع الذي وقع إنما هو قضاء بحكم العقل.

مستندين إلى أن الاجتماع ضرورى للبشر. ومن ضرورة الاجتماع التنازع لتزاحم الأغراض ولو استمر لأدى إلى الفتن المؤذنة بهلاك النوع الإنسانى وبقاء النوع من مقاصد الشرع فلابد من إقامة حاكم يقضى على التنازع.

وقد ناقش ابن خلدون هذا الاحتجاج ورد عليه بما ذكرناه سابقا. وكذلك القاضي أبو الحسن الماوردى على ما سبق النقل عنه.

ثالثا:

أن بعض الخوارج وهم النجدات أصحاب نجدة بن عامر الحنيفى ومنهم الأصم أبو بكر عثمان بن كيسان من المعتزلة يرون أن نصب الإمام ليس واجبا أصلا لا بالشرع ولا بالعقل، وإنما على الأمة أن تتعاطى الحق والعدل فيما بينها وتلتزم في حياتها ومعاملاتها بقوانين الشرع وأحكامه، وإذ يتحقق لهم ذلك لا تبقى بهم حاجة إلى الإِمام .. وأيضا فإن نصب الإِمام يؤدى إلى التنافس والتنازع المفضى إلى الاضطراب والخراب فلا داعى له.

وقد رأيت فيما سبق أن بعض المزلفين صور رأى الأصم بأن نصب الإمام لا يجب عند تحقق العدل في الأمة، ويجب عند قيام الظلم فيها وأن هشام القوطى من المعتزلة يرى عكس ذلك.

وقد قال إمام الحرمين في غياث الأمم في الرد على الأصم: أن رأيه يؤدى إلى ترك الناس أخيافا يلتطمون ائتلافا واختلافا لا يجمعهم ضابط، ولا يربط شتات رأيهم رابط .. وهذا الرجل هجوم على شق العصا ومقابلة الحقوق بالعقوق، لا يهاب حجاب الاتصاف ولا يذكر إلا عند الانسلال والخروج من ربقة الإجماع والحيد عن سنن الاتباع. وهو مسبوق بإجماع من أشرقت عليهم الشمس شارقة وغاربة، واتفاق مذاهب العلماء قاطبة … على أن الأصم ومن معه قد قيدوا قولهم بعدم الوجوب وعلقوه على أمر لم تجربه السنن الكونية في هذه الحياة على طولها وامتدادها وهو تواطؤ الأمة على إقامة العدل بينهم وتنفيذ أحكام الله تعالى وقوانين الشرع … ولا شك أن اتفاق مجتمع بشرى على إقامة حدود الله وتطبيق أحكام الشريعة فيما بين أفراده دون وازع من إمام عادل يطبق وينفذ هذه الأحكام بما له من قوة وسلطان. مما دلت التجارب والمشاهدات الطويلة على أنه خارج عن طبيعة البشر إلا أن ينقلب الناس ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

أما القول بأن وجوب إقامة الإمام يؤدى إلى التنافس والتنازع المفضى إلى الخراب والدمار .. فقد رد عليه السعد التفتازانى فيما نقلناه عنه سابقا بأن هناك مرجحات بين المتنافسين من الصفات والشروط التي أوجبت الشريعة توافرها في الإمام. وهذا يحد من المنافسة ويمنع التنازع على أن نفعه أكثر من ضرره.