للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يحصل إلا بالعصبية والشوكة، والعصبية مقتضية بطبعها للملك فيحصل الملك وإن لم ينصب إمام وهو عين ما قررتم منه .. وإذا تقرر أن هذا المنصب واجب بإجماع فهو من فروض الكفاية وراجع إلى اختيار أهل الحل والعقد فيتعين عليهم نصبه .. ويجب على الخلق جميعا طاعته لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.

وظاهر من كلام ابن خلدون أنه اعتمد في الاستدلال لمذهب أهل السنة على الإجماع فقط وقال أنه إجماع الصحابة والتابعين واستمر التصور على ذلك .. ولم يشر إلى باقى الأدلة .. وناقش مذهب القائلين بأن وجوب إقامة الإمام بالعقل. ومذهب القائلين بعدم الوجوب أصلا.

وقال أبو الحسن الماوردى في كتابه الأحكام السلطانية (١): "واختلف في وجوبها (الإمامة). هل وجبت بالعقل أو بالشرع؟.

فقالت طائفة: وجبت بالعقل لما في طبائع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم. ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين وهمجا مضيعين.

وقد قال الأفوه الأودى:

(لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم … ولا سراة إذا جهالهم سادوا)

وقالت طائفه: بل وجبت بالشرع دون العقل لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان محجوزا في العقل أن لا يرد التعبد بها فلم يكن العقل موجبا لها .. وإنما يوجب العقل أن يمنع كل واحد من العقلاء نفسه عن التظالم والتقاطع ويأخذ بمقتضى العقل في التناصف والتواصل فيتدبر بعقله لا بعقل غيره. ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه في الدين.

وقال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ففرض طاعة أولى الأمر فينا وهم الأئمة المتآمرون علينا ..

وروى هشام بن عروة عن أبى صالح عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيليكم من بعدى ولاة. فيليكم البر ببره، ويليكم الفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن ساءوا فلكم وعليهم" وظاهر من كلام الماوردى أنه لم يستوعب الآراء كلها في حكم نصب الإمام، وأنه اقتضى في الاستدلال لأهل السنة على الكتاب والسنة.

وبالنظر في هذه المقتطفات التي سقناها يتضح ما يأتى:

أولا:

أن أهل السنة وجمهور المعتزلة والخوارج يرون أن نصب الإِمام واجب على الأمة لا على الله تعالى وأن وجوبه عرف بالشرع لا بالعقل وأن المزلفين الذين نقلنا عنهم ما نقلناه في هذا الصدد قد استدلوا لهذا الرأى في جملتهم بالإجماع والدليل النظرى المبنى على القواعد الشرعية كما بالكتاب والسنة وسيأتى بيان هذا الاستدلال وتفصيله وما قيل في كل من تلك الأدلة والرد عليه.


(١) الأحكام السلطانية في باب عقد الإمامة ص ٥.