إما لأنها ترى في اجتهادها خلاف ما رأى هؤلاء وإما خلافا مجردا عليهم ..
وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها .. فلا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد فاضل عالم حسن السياسة قوى الإنفاذ ..
وظاهر من عبارة ابن حزم أن جميع السنية من أهل السنة في وجوب الإمامة وأن على الأمة الطاعة والانقياد. مع أن عبارات المؤلفين وواقع الأمر أن الشيعة يقولون بوجوب الإمامة. على الله تعالى .. وإن كان من الممكن حمل عبارة ابن حزم على أن المقصود بالاتفاق مجرد الوجوب بدليل مقابلته بالقول بعدم الوجوب أصلا، واستدل ابن حزم بالكتاب والسنة والدليل النظرى المبنى على القواعد الشرعية .. وإن كان لم يشكر شيئا من الأحاديث التي أشار إليها.
وقال ابن خلدون في مقدمته المعروفة في الفصل السادس والعشرين بعد أن بين معنى الخلافة والإمامة: "ثم أن نصب الإمام واجب" قد عرف وجوبته في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند وفاته قد بادروا إلى بيعة أبى بكر رضى الله عنه النظر إليه في أمورهم وكذا في كل عصر من بعد ذلك. ولم يترك الناس فوضى في أي عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن من مدرك وجوبه النقل وأن الإجماع الذي وقع إنما هو قضاء بحكم الفعل فيه .. قالوا وإنما وجب بالفعل لضرورة الاجتماع للبشر واستحالة حياتهم ووجودهم منفردين. ومن ضرورة الاجتماع التنازع لإزدحام الأغراض فما لم يوجد الحاكم الوازع أفضى ذلك إلى الهرج المؤذن بهلاك البشر وانقطاعهم مع أن حفظ النوع من مقاصد الشرع الضرورية ..
وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظه الحكماء في وجوب النبوات في البشر، وقد نبهنا على فساده وأن إحدى مقدماته أن الوازع إنما يكون بشرع من الله تسلم له الكافة تسليم إيمان واعتقاد وهو غير مسلم لأن الوازع قد يكون بسطوة الملك وقهر أهل الشوكة ولو لم يكن شرع كما في أمم المجوس وغيرهم ممن ليس لهم كتاب أو لم تبلغهم الدعوة.
أو نقول: يكفى في رفع التنازع معرفة كل واحد بتحريم الظلم عليه بحكم العقل، فادعاؤهم أن التنازع إنما يكون بوجوب الشرع هناك ونصب الإمام. هذا غير صحيح، بل كما يقول بنصب الإمام يكون بوجود الرؤساء وأهل الشوكة أو بامتناع الناس عن التنازع والنظر. إليه فلا ينهض دليلهم العقلى المبنى على هذه المقدمة. فدل على أن مدرك وجوبه إنما هو الشرع وهو الإجماع الذي قدمناه.
وقد شذ بعض الناس فقال بعدم وجوب نصب الإِمام أصلا لا بالعقل ولا بالشرع. منهم الأصم من المعتزلة وبعض الخوارج وغيرهم، والواجب عند هؤلاء إنما هو إمضاء الحكم بالشرع فإذا تواطأت الأمة على العدل وتنفيذ أحكام الله تعالى لم يحتج إلى إمام ولا يجب نصبه.
وهؤلاء ممجوجون بالإجماع ..
والذي حملهم على هذا المذهب إنما هو الفرار عن الملك ومذاهبه من الاستطالة والتغلب والاستمتاع بالدنيا لما رأوا الشريعة ممتلئة بذم ذلك والنعى على أهله ومرغبة في رفضه ..
ولكنا نقول لهم إن هذا الفرار عن الملك بعدم وجوب نصب الإِمام لا يغنيكم شيئا لأنكم موافقون على وجوب إقامة أحكام الشريعة وذلك