وظاهر مما جاء في المواقف والمقاصد أنهما اعتمدا في الاستدلال لأهل السنة على الإِجماع والدليل النظرى المبنى على القواعد الشرعية مما سنوضحه فيما بعد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية:"يجب أن يعرف أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا يقام الدين إلا بها فإن بنى آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالإجماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد من عند الاجتماع من رئيس.
حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم". وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمر أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لثلاثة أن يكونوا بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم". فأوجب - صلى الله عليه وسلم - تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع. لأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ..
وكذلك ما أوجبه الدين من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصرة المظلوم وإقامة الحدود .. فالواجب اتخاذ والإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات .. والمقصود بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به عن أمر الدنيا ..
وظاهر من كلام الإِمام ابن تيميه أنه لم يشر إلى الخلاف في وجوب نصب الإِمام وأقوال الفرض فيه .. ولم يستدل على الوجوب إلا بالدليل النظرى المبنى على القواعد الشرعية ولم يشر إلى الإِجماع ولا إلى غيره من الأدلة ..
وقال ابن حزم الظاهرى في كتابه: الفصل في الملل والأهواء والنحل (١): "اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإِمامة وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإِمام عادل يقيم فيهم أحكام الدين ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإِمامة .. وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم .. وهذه فرقة ما ترى بقى منهم أحد وهم المتسربون إلى نجدة الحنيفى من بنى حنيفة باليمامة ..
وقول هذه الفرقة ساقط ويكفى في الرد عليه إجماع من ذكرنا على بطلانه .. والقرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمام ومن ذلك قوله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأئمة وإيجاب الأمانة .. وأيضا فإن الله تعالى يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} فوجب اليقين بأن الله تعالى لا يكلف الناس ما ليس في احتمالهم .. وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام الناس بما أوجبه الله تعالى من الأحكام عليهم في الأموال والجنايات والدماء والنكاح والطلاق وسائر الأحكام كلها ومنع الظالم وإنصاف المظلوم وأخذ القصاص على تباعد أقطارهم وشواغلهم واختلاف آرائهم. ممتنع غير ممكن إذ قد يريد واحد أو جماعة أن يحكم عليهم إنسان ويريد آخر أو جماعة أخرى أن لا يحكم عليهم
(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل طبع مطبعة محمد على صبيح المطبوع على هامشه كتاب الملل والنحل للشهرستانى جـ ٤ ص ٧٢ وما بعدها.