ظهور الظلم لأن الظلمة ربما لم يطيعوه فيصير سببا لزيادة الفتن.
لنا على الواجب وجوه:
الأول: وهو العمدة: إجماع الصحابة حتى جعلوا ذلك أهم الواجبات واشتغلوا به عن دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذا عقيب موت كل إمام ..
روى أنه لما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب أبو بكر رضى الله عنه في المسلمين فقال: أيها الناس: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد رب محمد فإنه حى لا يموت. ولابد لهذا الأمر ممن يقوم به. فانظروا وهاتوا آراءكم رحمكم الله، فتبادروا من كل جانب وقالوا: صدقت. ولكن ننظر في الأمر، ولم يقل أحد: أنه لا حاجة إلى الإمام ..
الثاني: أن الشارع أمر بإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وكثير من الأمور المتعلقة بحفظ النظام وحماية بيضة الإسلام مما لا يتم إلا بالإمام .. وما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورًا فهو واجب …
الثالث: أن في نصب الإمام منافع لا تحصى واستدفاع مضار لا تخفى .. وكل ما هو كذلك فهو واجب .. أما الكبرى فبالإجماع ..
وأما الصغرى فتكاد تلحق بالضروريات ولا تحتاج إلى بيان ولهذا اشتهر أن ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ..
وذلك لأن الاجتماع المؤدى إلى إصلاح المعاش والمعاد لا يتم بدون سلطان ظاهر يدرأ المفاسد ويحفظ المصالح. ولهذا لا ينتظم أمر أدنى اجتماع كرفقة طريق بدون رئيس يصدرون عن رأيه، ومقتضى أمره ونهيه ..
ولا يقال: إن غاية ذلك أنه يقتضى إقامة رئيس مطاع في كل جماعة يناط به النظام ولا يقتضى إقامة إمام عام ..
لأنا نقول: انتظام أمر عموم الناس على وجه يؤدى إلى صلاح الدين والدنيا يفتقر إلى رياسة عامة فيهما.
ولو تعدد الرؤساء لأدى إلى التنازع والتخاصم مما يوجب اختلال النظام .. ولو اقتصرت رياسته على أمور الدنيا لفات أمر الدين وهو الأهم عند الشارع والمقصود له أولا .. فإن قيل أن تنصيب الإمام يوجد منافسًا كبيرًا يؤدى إلى التنازع والاضطراب والفتن .. وما أمر إنهاء خلافة عثمان وما حدث بعدها إلى عهد العباسيين ببعيد - قلنا - أن منافعه أكبر من مفاسده.
فإن قيل أن القول بأن إقامة الإمام واجب يلزم عليه وقوع الأمة كلها في الخطأ لترك هذا الواجب في كثير من العصور خصوصا بعد الدولة العباسية. والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تجتمع أمتى على ضلالة".
ويقول: الخلافة بعدى ثلاثون سنة، ثم تصير ملكا عضوضا، قلنا إنما تعتبر الأمة واقعة في المعصية إذا تركت الواجب عن إمكان وقدرة واختيار لا عن عجز واضطرار كما هو الواقع .. والحديث من باب الآحاد أو يحمل على الخلافة الكاملة ويرد على القائلين بوجوب نصب الإمام على الله تعالى بأنه لو صح لما خلا زمان من إمام .. واللازم مناف للواقع.
واحتجت الخوارج القائلون بعدم وجوب نصب الإمام بأن إيجابه يؤدى إلى فتن وحروب وتنافس يؤدى إلى الاضطراب والخراب .. ويرد بأن هناك مرجحات بين الأشخاص بالصفات والشرائط .. وهذا يمنع التخاصم والتنافس …
وقد ذكر مثل ذلك إمام الحرمين في غياث الأمم.