للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجوب التكرار صحيحًا لما كان موضع الجلوس الآخر من الصلاة أحق به من القيام والسجود وسائر أحوال الإنسان. وهم إنما أوجبوا ذلك بعد التشهد الأخير من الصلاة فقط مما يدل على أنه لا صلة بين التكرار وبين الوجوب في التشهد الأخير.

ولو كان قوله صحيحًا لزمك أن ترد السلام على من حياك ردًا متكررًا ابدًا عملًا بقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (١) ولا خلاف أنه بمرة واحدة يخرج من فرض الرد.

ثم قال (٢)

وصحيح القول في هذه المسألة هو ما قلنا من أن يفعل مرة واحدة يؤدى المرء ما عليه ولا يلزمه تكرار الفعل. إلا أن ترتفع تلك الحال التي فيها ذلك الأمر ثم تعود فإن الأمر يعود ولا بد كمرض المسلم تجب عيادته فبمرة واحدة يخرج من الفرض ما دام في تلك العلة. فإن أفاق ثم مرض عاد حكم العيادة أيضًا.

[٥ - الزيدية]

لخص الشوكانى أقوال أصحاب المذاهب المختلفة في هذه المسألة ثم قال (٣):

"إذا عرفت جميع ما حررناه تبين أن القول الأول هو الحق الذي لا محيص عنه وأنه لم يأت أهل الأقوال المخالفة له بشئ يعتد به".

والقول الأول الذي اختاره الشوكانى والذي بدأ به بحثه هو (٤): "أن صيفة الأمر باعتبار الهيئة الخاصة موضوعة لمطلق الطلب من غير إشعار بالوحدة والكثرة إلا أنه لا يمكن تحصيل المأمور به بأقل من مرة فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به لا الأمر يدل عليها بذاته".

[٦ - الجعفرية]

استعرض صاحب قوانين الأصول مذاهب العلماء في دلالة الصيغة فقال (٥): المشهور أن صيغة افعل لا تدل إلا على طلب الماهية وقيل تدل على التكرار مدة العمر إن أمكن عقلا وشرعا ويكون تركه إثما وقيل على المرة.

ويظهر من بعضهم أن مراد القائلين بالمرة هو الدلالة على الماهية المقيدة بالوحدة لا بشرط التكرار ولا عدمه. فالزائد على المرة لا يكون امتثالًا ولا مخالفة.

ثم استطرد في الكلام عن هذا الخلاف وثمرته وقال (٦):

والأقرب عندى أنها لا تدل إلا على طلب الماهية وأن الامتثال إنما يحصل بالمرة الأولى لأن الأمر يقتضى الإجزاء والإتيان به ثانيا وثالثا تشريع محرم لكون أحكام الشرع توقيفية موقوفة على التوظيف دليلنا أن الأوامر وسائر المشتقات مأخوذة من المصادر الخالية عن اللام والتنوين وهى حقيقة في الطبيعة لا بشرط شئ اتفاقًا كما صرح به السكاكى. وما قيل من أن اسم


(١) آية ٨٦ سورة النساء.
(٢) المصدر السابق جـ ٣ ص ٧٤
(٣) إرشاد الفحول ص ٩٩.
(٤) المصدر السابق ص ٩٧.
(٥) قوانين الأصول من ٨٠.
(٦) المصدر السابق ٩١.