للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعمله فلا يستحق أجرا، والى هذا ذهب الحنفية وبنوا على ذلك أن الاجارة على طحن مقدار من البر بجزء معلوم منه مطحون فاسدة، وأن الاجارة على عصر مقدار من السمسم بجزء معلوم من دهنه فاسدة، وأن الاجارة على نسج مقدار من الغزل بجزء منه بعد نسجه فاسدة، واذا قام الأجير بذلك لم يكن له الا أجر مثل عمله.

وقد جوز هذه الاجارة بعض مشايخ بلخ، ومنهم محمد بن سلمة، ونصر بن يحيى.

وهذه المسألة هى المعروفة عند الفقهاء بقفيز الطحان والأصل فيها ما رواه الدار قطنى عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان.

وقد فسره كثير من العلماء بطحن الطعام بجزء معلوم منه مطحونا، وقد جعلوا ذلك أصلا قاسوا عليه غيره وعللوا فساد الاجارة حين ذلك بأنها تتضمن استحقاق الأجير أجرة على عمله فى ماله ولا يستحق الانسان ما لا نظير قيامه بالعمل فى ماله يأخذه من غيره اذ أنه أكل للمال بالباطل، ذلك لأنه يصير شريكا بأول جزء من العمل لاستحقاقه الأجر عليه فيكون عمله بعد ذلك عملا فيما هو شريك فيه فلا يجوز (١).

وبيان ذلك أن الأجر يستحقه الأجير بالشروع فى العمل عند الحنفية ويستحق منه بقدر ما عمل فاذا كان الأجر جزءا غير معين مما يعمل فيه كان شائعا فى محله كله وكان الأجير شريكا للمؤجر فى ذلك المحل وكان عمل الأجير عملا فيما هو مشترك بينهما ولا تصح الاجارة على عمل فى مال مشترك بين المؤجر والأجير وعلى هذا فسدت الاجارة على طحن مقدار من الحبوب على أن يكون للأجير مقدار معين منها بعد الطحن كثلث أو قفيز أو نحو ذلك، ولا تفسد اذا ما انعقدت على طحن هذا المقدار بقفيز من الدقيق أو بقدح من الدقيق يدفعه المؤجر من أى دقيق شاء اذ أن الأجر فى هذه الحال ليس جزءا من العمل واستحقاقه لا يجعل الحبوب مشتركة بين المؤجر والأجير.

[مذهب المالكية]

وذهب المالكية الى أن الاجارة تفسد اذا كانت على حمل طعام ونحوه لبلدة كذا بنصفه مثلا اذا لم يقبض الأجير الجزء الذى استؤجر به حين العقد أو يشترط‍ قبضه وان لم يقبضه فعلا أو جرى العرف بتعجيله وعجله فان تم ذلك صحت والا فسدت.

ويغتفر التأخير اليسير كاليومين والثلاثة وكذلك تفسد الاجارة عندهم اذا قال المستأجر للأجير: اعصر زيتونى وما عصرت فلك نصفه مثلا، أو احصد زرعى وأدره ولك نصفه.

ولكنهم لم يذهبوا هذا المذهب للعلة التى علل بها الحنفية مذهبهم فى مثل هذه المسائل بل عللوا ذلك بعلة أخرى، ففى حمل الطعام بنصفه قالوا ان الأجر عين، واذا كان الأجر عينا كنصف هذا الطعام


(١) البدائع ج‍ ٤ ص ١٩١، ١٩٢.