للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراتب الاستحباب]

وللاستحباب مراتب متفاوتة تبعا لما تتعلق به، فقد ذكر ابن عابدين فى حاشيته أن مراتب الاستحباب متفاوتة كمراتب السنة والواجب والفرض، فيكون بعض المستحبات تركه مكروه تنزيها، وبعضها تركه غير مكروه مثل ترك الاذان والاقامة للمسافر فانهما مستحبان يكره تركهما، ومثل الاكل يوم الاضحى فانه لو لم يؤخره الى ما بعد الصلاة لا يكره مع أن التأخير مستحب (١).

[حكم متابعة النبى صلى الله عليه وسلم]

روى صاحب نهاية السول ان آراء الفقهاء فى حكم متابعة النبى صلى الله عليه وسلم فيما لم يظهر فيه قصد القربة ولم نعلم وجهه وقصده به من كونه واجبا أو مندوبا أو غير هذا أو ذاك - تدور حول أربعة مذاهب: أولها أن الفعل يدل على اباحة متابعته صلى الله عليه وسلم مطلقا لان فعل النبى صلى الله عليه وسلم لا يكره ولا يحرم والاصل عدم الوجوب والندب لان رفع الحرج عن الفعل والترك ثابت وزيادة الوجوب والندب لا تثبت الا بدليل ولم يتحقق فتبقى الاباحة. الثانى أنه: يدل على الندب لقول الله تعالى «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (٢).

فان وصف الاسوة بالحسنة يدل على الرجحان، والوجوب منتف لكونه خلاف الاصل، ولقوله (لكم) ولم يقل (عليكم) فتعين الندب. والثالث أنه: يدل على الوجوب لقول الله تعالى «فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ» (٣) .. والامر للوجوب، ولقول الله تعالى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي» (٤) فانه يدل على أن محبة الله تعالى مستلزمة للمتابعة، ومحبة الله تعالى واجبة اجماعا، ولازم الواجب واجب، فتكون المتابعة واجبة. الرابع أنه: لا يدل على شئ من الاحكام بالتعيين لاحتمال هذه الامور الثلاثة واحتمال أن يكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم فيتوقف الى ظهور البيان (٥).

وذكر صاحب شرح مختصر المنتهى هذه المذاهب الاربعة، ثم أضاف مذهبا خامسا قال عنه انه هو الذى اختاره ابن الحاجب، وهو التفصيل بأنه ان ظهر قصد القربة فالندب والا فالاباحة لانه اذا ظهر قصد القربة ظهر الرجحان


(١) البحر الرائق للامام ابن نجيم وحاشية ابن عابدين عليه ج‍ ٢ ص ٣٤، ٣٥ الطبعة الاولى بالمطبعة العلمية.
(٢) سورة الاحزاب الاية رقم ٢١.
(٣) سورة الاعراف الاية رقم ١٥٨.
(٤) سورة آل عمران الآية رقم ٣١.
(٥) نهاية السول فى شرح منهاج الوصول الى علم الاصول للامام جمال الدين الاسنوى على هامش التقرير والتحبير ج‍ ٢ ص ٥٤، ٥٥ وانظر كذلك المختصر لابن الحاجب ج‍ ٢ ص ٢٢، ٢٣ الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميريه ببولاق سنة ١٣١٦ هـ‍.