للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إمرار الماء فى مجراه الخاص، ويستوي فى ذلك أن يكون الآذن مالكا لرقبة ما أذن فيه ومنفعته أو مالكا لمنفعته فقط‍، كأن يأخذه بطريق الإجارة أو الإعارة أو الوصية أو الوقف إذا تحقق شرط‍ صحة الإذن لمالك المنفعة على التفصيل الوارد فى كتب الفقه فى مواضعه.

أسباب الإباحة:

الإباحة الأصلية سببها فى الواقع انتفاع الناس والتوسعة عليهم، يقول الله تعالى:

«هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} (١)» فاللام تفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين ألا ترى أنك لو قلت الثوب لزيد فإن معناه أنه مختص بنفعه (٢).

ويرى الشاطبى فى موافقاته «أن الرخصة غالبا من قبيل الحكم التخييرى فغالب الرخص على نمط‍ المباح، فالترخيص غالبا سبب من أسباب الإباحة الطارئة لأن معنى الترخيص التيسير والتسهيل على المكلف بتخييره بين الأخذ بالعزيمة أو الرخصة، وهذا هو معنى الإباحة ولا أدل على ذلك من ورود الترخيص بأساليب الإباحة فى النصوص القرآنية قال تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» (٣). ففى الإثم من أساليب الإباحة وقد ورد الترخيص به، قال تعالى: «وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} (٤)». فالترخيص ورد بأسلوب الإباحة وهو نفى الجناح الأمر الذى يدل على أن المرخص به مباح، وأن الترخيص من أسباب الإباحة الطارئة، وقد أورد الشاطبى شبها على هذا ورد عليها (٥) (انظر رخصة).

وغيره من الأصوليين يقسمون الرخصة إلى واجبة كأكل الميتة عند الاضطرار، ومندوبة كقصر الصلاة للمسافر، ومباحة كالسلم والإجارة. فلا يعد الترخيص سببا من أسباب الإباحة عندهم إلا فى القسم الأخير، فالترخيص الذى يعد سببا هو ترخيص الشارع للمكلف بفعل المرخص به أو تركه دون أن يكون أحدهما راجحا على الأخر (٦) وكذا فإنه يباح للمضطر أن يتناول من الميتة عند ضرورة خوف الهلاك من شدة الجوع بأن يأخذ منها ما يسد به رمقه عند الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية، وقد أوجبه الحنابلة (٧). وكقتل الصائل فإنه يباح للمجني عليه قتل الجانى أو قطع طرفه والمعتبر فى الفقه عدم ترتب أى جزاء على هذا القتل، فعدم ترتب الجزاء من ناحية العقوبة أو المثوبة دليل على أن الفعل مباح مستوى الطرفين ولا خلاف بين العلماء فى أن الإكراه الملجئ يكون سببا من أسباب الإباحة لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» والمرفوع هو الإثم باتفاق الفقهاء، وهذا آية اباحة الفعل المكره عليه، إذ لو لم يكن مباحا لما أرتفع إثمه ولما ارتفعت المؤاخذة عليه، فالمكره على شرب الخمر إكراها تاما يباح له أن


(١) سورة البقرة: ٢٩.
(٢) الأسنوى ج‍ ٤ ص ٣٥٢.
(٣) البقرة: ١٧٣.
(٤) سورة النساء: ١٠١.
(٥) الموافقات للشاطبى ج‍ ١ ص ٢١٥.
(٦) الأسنوى على المنهاج بهامش التقرير والتخيير ج‍ ١ ص ٥٣، ٥٥ المطبعة الأميرية.
(٧) باب الإكراه فى البدائع وحاشية الدسوقى وحاشية الشرقاوى على التحرير والمحلى وكشاف القناع.