للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يتناول الخمر ولو تناوله لا يقام عليه الحد اتفاقا.

وقال أبو يوسف، من الأحناف: إنه يباح له أن يترك التناول حتى لو مات كان غير آثم، وذهب جمهور العلماء إلى أن المكره على شرب الخمر لا يسعه أن يترك الشرب فالترك الجائز له بمقتضى الإباحة التى تدل على استواء الطرفين يمنع منه انه يفضى الى التهلكة، وهذا محرم بقول الله تعالى: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (١)» وإن كان الإكراه ناقصا فالأحناف على أن الشرب يحرم على المكره فلا يكون الإكراه الناقص سببا من أسباب الإباحة ويرى بعض العلماء أن الإكراه بنوعيه التام أو الناقص يبيح الفعل عملا بالإطلاق الموجود فى حديث «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».

غير أن المالكية والظاهرية يرون الإكراه على إتلاف مال الغير لا يبيح الفعل ولو كان الإكراه تاما لتعلق حق العبد به فالشارع لم يبح لإنسان أن يدفع الضرر عن نفسه بإضرار غيره ولقول الرسول: «لا ضرر ولا ضرار»، وقد يكون الاستحسان سببا من أسباب الإباحة كالسلم مثلا محظور أستفيد حظره من قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تبع ما ليس عندك» لأن النهى يفيد الحظر، ولكن ورد نص شرعي يقتضى استثناءه من عموم هذا الحظر وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «من أسلف فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم».

فللمكلف بمقتضى هذا الاستحسان أن يتعامل بالسلم وأن يترك التعامل به فهو مخير بين فعله بناء على الاستحسان، وتركه بناء على أصل الحظر، ومن ذلك أيضاً إباحة عقد الإجارة وهى عقد على المنافع، فالأصل فيها الحظر لاندراجها تحت حديث «لا تبع ما ليس عندك»، إذ المنافع معدومة، لكن ورد نص شرعى يقتضى إخراجها من عموم هذا الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه».

ومن ذلك إباحة وقف الكتب وآلات الحرب، وإباحة استعمال سؤر سباع الطير قياسا على سؤر الإنسان، مع أن القاعدة أن الوقف لا يكون الا مؤبدا، والقياس على سؤر سباع البهائم يقتضى عدم إباحة سؤر الطير.

والبيع بشرط‍ محظور عملا بما روى عن النبى عليه الصلاة والسلام: أنه نهى عن بيع وشرط‍، ولكن جرى العرف ببيع الساعة مثلا بشرط‍ إصلاحها مدة معينة، فجريان العرف بذلك جعل البيع بشرط‍ مع كونه محظورا باعتبار النص، مباحا باعتبار العرف. ومن ذلك الاستصناع، فالأصل فيه الحظر لأن المعقود عليه غير موجود، فهو مخالف للقواعد العامة التى تقضى بوجود المعقود عليه، لكن لما جرى العرف بذلك كان جريان العرف سببا من الأسباب المبيحة لذلك المحظور، فالمكلف مخير بين أن يتعامل بالاستصناع وبين أن يتركه، وإذا كان هناك فعل حظره الشارع كقتل المسلم بغير حق، فقد تعرض لهذا المحظور


(١) سورة البقرة: ١٩٥.