للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم ما أبين من الحيوان قبل ذكاته]

إذا أبين جزء من حيوان حى مأكول اللحم - غير السمك والجراد - قبل ذبحه قال فقهاء الحنفية إن الجزء المبان يعتبر ميتة فلا بحل أكله. فإذا قطع إنسان قطعة من إليه الشاة أو من فخذها أو من سنم البعير أو فخذه أو من دجاجة قبل ذبح الشاة أو البعير أو الدجاجة فإن الجزء المبان لا يحل أكله لأن شرط‍ حل الأكل من الحيوان البرى المأكول - غير الجراد - هو الذكاة فلا يحل الأكل من الحيوان بدون الذكاة لقوله عز وجل {(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ} (١) استثنى سبحانه وتعالى من الأشياء المذكورة المحرمة ما ذكى والاستثناء من التحريم إباحة. وأيضا قال تعالى {(يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ» (٢) وقال:

عز وجل {(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ} (٣) والحيوان البرى لا يعتبر طيبا إلا بخروج الدم المسفوح وذلك بذكاته. وروى أن أهل الجاهلية كانوا يقطعون قطعة من الية الشاة أو من سنام البعير فيأكلونها فلما بعث النبى عليه الصلاة والسلام نهاهم عن ذلك فقال عليه السلام (ما أبين من الحى فهو ميت) وهذا الجزء المبان لا يحل أكله وإن ذبح الحيوان بعد ذلك لأن حكم الذكاة لم يكن ثابتا ولا موجودا وقت الإبانة.

ويعتبر هذا الجزء ميتا لا تحله ذكاة الحيوان بعد حتى ولو بقى متعلقا بجلد الحيوان لأن بقاءه متعلقا بالجلد لا اعتبار له فكان وجوده بمنزلة العدم فهو مبان حكما.

أما إذا بقى متعلقا باللحم فإن ذكاة الحيوان تحل أكل الحيوان واكل الجزء المبان لأنه لا يزال معتبرا من جملة الحيوان فذكاة الحيوان تكون له ولما اتصل به. والذكاة التى تحل أكل الحيوان وأكل الجزء المبان الذى بقى متعلقا باللحم يجب أن تكون مستوفية لشرائطها الشرعية التى سيأتى بيانها كما أن الحيوانات التى يحل أكلها والتى لا يحل سيأتى بيانها - انظر ذبائح وحيوان (٤).

ومذهب المالكية كمذهب الحنفية بالنسبة لما تقدم مستندين فى ذلك إلى قوله عليه السلام (ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميته)

غير أن فقهاء المالكية خالفوا الحنفية فيما إذا بقى الجزء المبان متعلقا باللحم إذ قالوا إن الجزء المبان يعتبر ميتا لا تحله ذكاة الحيوان إذا بقى متعلقا بجزء يسير من جلد الحيوان أو اللحم (٥).

ومذهب الشافعية كمذهب الحنفية أيضا بالنسبة لما تقدم غير أن فقهاء الشافعية يقولون أن العضو المبان إذا بقى متعلقا بجلد الحيوان فقط‍ حل بذبح الحيوان لأن كلمة الإبانة لا تصدق على مثل ذلك (٦).


(١) سورة المائدة آية ٣.
(٢) سورة المائدة آية ٤.
(٣) سورة الاعراف آية ١٥٧.
(٤) البدائع ج‍ ٥ ص ٤٠، ٤٤، ٤٥ طبعة ١٣٢٨ هـ‍ الدر المختار، حاشية ابن عابدين ج‍ ٥ ص ٢٧٠ الطبعة الثالثة سنة ١٢٩٩ هـ‍.
الهداية وحواشيها ج‍ ٨ ص ٥٠، ٦٥ طبعة سنة ١٣١٨ هـ‍.
(٥) راجع بداية المجتهد ج‍ ١ ص ٣٥٧ طبعة سنة ١٩٣٣ هـ‍.
الشرح الكبير ج‍ ٢ ص ١٠٩ طبعة سنة ١٣٥٥ ج‍ ١ ص ٥٣.
(٦) راجع: شرح المحلى على المنهاج وحاشيتى القليوبى وعميرة ج‍ ٤ ص ٢٤١ طبعة سنة ١٣٦٨ هـ‍.