وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: هما بالخيار، ان شاءا اقتسما المخلوط نصفين، وان شاءا ضمنا المودع ألفين.
وعلى هذا سائر المكيلات والموزونات اذا خلطا الجنس بالجنس خلطا لا يتميز، كالحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والدهن بالدهن.
ووجه قولهما أن الوديعة قائمة بعينها، لكن عجز المالك عن الوصول اليها بعارض الخلط فان شاءا اقتسما لاعتبار جهة القيام، وان شاءا ضمنا لاعتبار جهة العجز.
ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لما خلطهما خلطا لا يتميز، فقد عجز كل واحد منهما عن الانتفاع بالمخلوط فكان الخلط منه اتلاف الوديعة على كل واحد منهما، فيضمن، ولهذا يثبت اختيار التضمين عندهما، واختيار التضمين لا يثبت الا بوجود الاتلاف دل أن الخلط منه وقع اتلافا.
ولو أودعه رجل حنطة وآخر شعيرا فخلطهما، فهو ضامن لكل واحد منهما مثل حقه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، لأن الخلط اتلاف.
وعندهما لهما أن يأخذا العين ويبيعاها، ويقتسما الثمن على قيمة الحنطة مخلوطا بالشعير، وعلى قيمة الشعير غير مخلوط بالحنطة، لأن قيمة الحنطة تنقص بخلط الشعير وهو يستحق الثمن، لقيام الحق فى العين وهو مستحق العين، بخلاف قيمة الشعير، لأن قيمة الشعير تزداد بالخلط وتلك الزيادة ملك الغير فلا يستحقها صاحب الشعير.
[مذهب المالكية]
جاء فى الشرح الكبير وحاشية (١) الدسوقى عليه: أن المودع يضمن اذا خلط الوديعة بغيرها وترتبت فى ذمته بمجرد خلطها بغيرها، وان لم يحصل فيها تلف اذا تعذر التمييز أو تعسر، بأن التبس عليه الحال كما لو كانت الوديعة سمنا، وخلطها بدهن أو زيت أو عسل، حيث يتعذر التمييز بين المخلوطين، وكما لو كانت فولا فخلطها بشعير حيث يتعسر التمييز.
أما اذا كانت الوديعة قمحا ثم خلطه بمثله جنسا وصفة فلا يضمن.
وكذا اذا كانت دراهم فخلطها بدنانير لتيسر التمييز، هذا اذا كان الخلط لأجل الحفظ والرفق، والا ضمن، لأنه يمكن
(١) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج ٣ ص ٤٢٠ طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.