اجماعهم فانه روى عن شريح أن المنكر طلب منه رد اليمين على المدعى فقال ليس لك اليه سبيل وقضى بالنكول - بين يدى على رضى الله تعالى عنه - فقال له على رضى الله تعالى عنه أصبت. وروى عن عمر رضى الله تعالى عنه ان امرأة أدعت عنده على زوجها أنه قال لها حبلك على غاربك فحلف عمر الزوج بالله ما اردت طلاقا، فنكل فقضى عليه بالفرقة، ولأن النكول دل على كونه باذلا أو مقرا، اذ لولا ذلك لأقدم على اليمين أداء للواجب ودفعا للضرر عن نفسه فترجحت هذه الجهة على غيرها من التورع والترفع والاشتباه لأن الظاهر أنه يأتى بالواجب فلا يترفع عن الصادقة، والظاهر من حال المسلم انه لا يكذب فلا يكون نكوله تورعا عن الكاذبة ظاهرا باعتبار حاله.
ولو كان لاشتباه الحال لاستمهل حتى ينكشف له الحال، فتعين أن يكون لأجل البذل، ولا وجه لرد اليمين على المدعى لما روينا من أن اليمين على المنكر، ويعرض القاضى اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات ندبا، يقول له فى كل مرة انى أعرض عليك اليمين فان حلفت والا قضيت عليك بما ادعاه اعلاما له للحكم لأنه موضع خفاء لاختلاف العلماء فيه لأن الشافعى رحمه الله تعالى لا يراه.
فاذا كرر عليه الانذار والعرض ولم يحلف حكم عليه اذا علم انه لا آفة به من طرش وخرس، وعن أبى يوسف ومحمد، رحمهما الله تعالى أن التكرار حتم حتى لو قضى القاضى بالنكول مرة لا ينفذ، والصحيح انه ينفذ، والعرض ثلاثا مستحب، وهو نظير امهال المرتد ثلاثة أيام فانه مستحب فكذا هذا مبالغة فى الانذار ولا بد أن يكون النكول فى مجلس القاضى لأن المعتبر يمين قاطع للخصوبة ولا معتبر باليمين عند غيره فى حق الخصومة فلا يعتبر.
وهل يشترط القضاء على فور النكول؟ فيه اختلاف، ثم اذا حلف المدعى عليه فالمدعى على دعواه ولا يبطل حقه بيمينه، الا أنه ليس له ان يخاصمه ما لم يقم البينة على وفق دعواه، فانه وجد بينة اقامها عليه وقضى له بها، وبعض القضاة من السلف كانوا لا يسمعون البينة بعد الحلف ويقولون يترجح جانب صدقه باليمين فلا تقبل بينه المدعى بعد ذلك كما يترجح جانب صدق المدعى بالبينة حتى لا يعتبر يمين المنكر معها، وهذا القول مهجور غير مأخوذ به وليس بشئ أصلا لأن عمر رضى الله تعالى عنه قبل البينة من المدعى بعد يمين المنكر، وكان شريح رضى الله تعالى عنه يقول اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة (١).
[مذهب المالكية]
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن المدعى عليه اذا أنكر المدعى به قال القاضى للمدعى: ألك بينة فان قال نعم أمره باحضارها، واعذر للمدعى عليه فيها أى قطع عذره فيها بأن يقول له الك مطعن فى هذه البينة؟ فان نفى المدعى البينة بأن قال لا بينة