للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى مع تيقنهم بصلاتهم بخلاف مشيئة الآدمى والثانى ان مشيئة الله تعالى لا تعلم الا بوقوع الأمر فلا يمكن وقف الامر على وجودها، ومشيئة الآدمى يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا يتوقف الأمر على وجودها والماضى لا يمكن وقفه فيتعين حمل الأمر هنا على المستقبل فيكون وعدا لا اقرارا (١).

[مذهب الظاهرية]

ومن (٢) قال لفلان عندى مائة دينار دينا ولى عنده مائة قفيز قمح أو قال: الا مائة قفيز تمر أو نحو ذلك أو الا جارية، ولا بينة عليه بشئ ولا له، قوم القمح الذى ادعاه فان ساوى المائة الدينار التى أقر بها أو ساوى أكثر فلا شئ عليه وان ساوى أقل قضى بالفضل للذى أقر له .. برهان ذلك أنه لم يقر له قط‍ اقرارا تاما بل وصله بما أبطل به أول كلامه فلم يثبت له قط‍ على نفسه شيئا، ولو جاز أن يؤخذ ببعض كلامه دون بعض لوجب أن يقتل من قال لا اله الا الله لأن نصف كلامه كفر صحيح وهو قوله: لا اله فيقال له: كفرت ثم ندمت، وهذا فاسد جدا، ولوجب أيضا أن يبطل الاستثناء كله بمثل هذا لأنه ابطال لما اثبته بأول كلامه قبل أن يستثنى ما استثنى .. وقد قال قوم:

انما يجوز الاستثناء من نوع ما قبله لا من نوع غيره، قال أبو محمد وهذا باطل لأن الله تعالى يقول: «إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ، إِلاّ مَنْ ظَلَمَ» ويقول سبحانه:

«فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ» فاستثنى ابليس من الملائكة وليس منهم بل من الجن الذين ينسلون، والملائكة لا تنسل واستثنى تعالى «مَنْ ظَلَمَ» من المرسلين وليسوا من أهل صفتهم. وقال الشاعر:

وبلدة ليس بها أنيس … الا اليعافير والا العيس

وليس اليعافير والعيس من الانيس، وقد استثناهم الشاعر العربى الفصيح.

فالاستثناء جائز وصحيح عند ابن حزم دون شرط‍ ولا قيد الا الاتصال، ويعمل به سواء كان من الجنس أو من غير الجنس وسواء استثنى الكل أو الأكثر أو المساوى أو الاقل، ولم يذكر ابن حزم حكم الاستثناء بالمشيئة فى الاقرار.

[مذهب الزيدية]

اذا وصل الشخص الاستثناء باقراره صح ويعمل به فيلزمه الباقى بعد اسقاط‍ المستثنى فاذا قال: لفلان على مائة درهم الا عشرين صح ولزمه ثمانون وهم يفرقون فى عبارة الاقرار والالتزام بين قول (على) وقوله: (عندى) فالأولى تستعمل فى الاقرار مما يثبت فى الذمة كالدين فاذا قال لفلان على كذا ونحوه كقبلى أو فى ذمتى كان هذا اللفظ‍ موضوعا لما يثبت فى الذمة كالدين ويشمل


(١) يراجع فيما ذكر كله المغنى لابن قدامة والشرح الكبير للمقدسى ح‍ ٥ ص من ٢٧٧ - ٢٨٤، ٢٩٥، ٣٠١ - ٣١١، ٣١٧، ٣٤٩، ٣٥٠ الطبعة السابقة.
(٢) فى المحلى لابن حزم الظاهرى ج‍ ٨ ص ٢٥٦ وما بعدها المسألة رقم ١٣٨٢ الطبعة السابقة.