للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن ما ذكره شمس الأئمة من أن وجوب القضاء بدليل آخر وهو تفويت الواجب عن الوقت على وجه هو معذور فيه أو غير معذور يشير إلى أن الفوات بمنزلة التفويت عندهم في إيجاب القضاء. فحينئذ لا يظهر فائدة الاختلاف في الأحكام بين أصحابنا وإنما يظهر في التخريج.

[ثالثا: الحنابلة.]

قال في روضة الناظر (١):

الواجب المؤقت لا يسقط بفوات وقته ولا يفتقر القضاء إلى أمر جديد وهو قول بعض الفقهاء وقد أورد الرأى المخالف في المسألة ودليله ثم برهن على اختيار المذهب الأول فقال: (٢)

دليلنا أن الأمر اقتضى الوجوب في الذمة فلا يبرأ منه إلا بأداء أو إبراء كما في حقوق الآدميين وخروج الوقت ليس بواحد منهما - بمعنى لا بعدة أداء ولا إبراء.

وعلق على هذا شارح الروضة بقوله:

وتقديره أن الذمة إذا شغلت بواجب للشرع أو لآدمى لم تبرأ منه إلا بامتثال وهو الأداء أو إبراء عنك هذه العبادة. أو الآدمى أبرأتك من هذا الدين وإذا كانت الذمة مشغولة بالواجب ما لم يوجد أداء له أو إبراء من مستحقه فقد أجمعنا على أن الذمة مشغولة بالواجب المؤقت في وقته. والأصل بقاء ما كان فيه على ما كان. والتقدير أن المكلف لم يوجد منه أداء ولا من الشرع إبراء فوجب القول ببقاء شغل الذمة به فتكون براءتها منه موقوفة على الأداء أو الإبراء لكن الإبراء صار بعد انقراض زمن التراخى ممتنع فتعين الأداء لبراءة الذمة لكن وقت الأداء اصطلاحًا قد فات بالتأخير فتعين القضاء فيما بعد لإبراء الذمة وذلك يقتضى أن يكون بالأمر الأول لأنه يدل عنه.

ثم قال المصنف: (٣)

والفرق بين الزمان والمكان أن الزمن الثاني تابع للأول فما ثبت فيه لسحب على جميع الأزمنة التي بعده بخلاف الأمكنة والأشخاص.

وعلق على ذلك الشارح فقال:

هذا إبطال لقياسهم تعلق الفعل بالزمان على تعلقه بالمكان. وبيانه أن الزمان حقيقة سبالة غير قارة فالمتأخر منه تابع للمتقدم فما ثبت فيه ثبت فيما بعده بطريق التبع له بخلاف الأمكنة والأشخاص والجهات فإنها حقائق قارة ليس بعضها تابعا لبعض حتى يتعلق بعضها بما تعلق بغيره.

وحاصل مأخذ المسألة أننا تقول إن الواجب الواقع في زمن القضاء، هو جزء الواجب في زمن الأداء والخصم يقول: هو غيره.

[رابعا: الظاهرية]

قال ابن حزم: (٤)

الأمر المرتبط بوقت لا قسمة فيه غير جائز تعجيل أدائه قبل وقته ولا تأخيره عن وقته، وذلك مثل صيام شهر رمضان. فإن جاء نص بالتعويض عنه وأدائه في وقت آخر وقف عنده وكان ذلك عملا آخر مأمورا به، وإن لم يأت بذلك نص


(١) روضة الناظر جـ ٢ ص ٩١.
(٢) المصدر السابق جـ ٥٦.
(٣) المصدر السابق جـ ٢ ص ٩٣.
(٤) الاحكام لابن حزم جـ ٣ ص ٥٢.