للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبادة في كون الفعل عملا بخلاف هوى النفس أو في كونه تعظيما لله تعالى وثناء عليه. وهذا لا يختلف باختلاف الأوقات كما لا يختلف باختلاف الأماكن.

وأما عدم صحة الأداء قبل الوقت فليس لكونه مقصودا بل لكونه سببا للوجوب والأداء قبل السبب لا يجوز. ولما كان الوقت تبعا غير مقصود لم يجز أن يسقط بسقوطه ما هو المقصود الكلى وهو أصل العبادة.

ثم قال: (١)

ونا ثبت أن النص معقول المعنى تعدى الحكم وهو وجوب القضاء به إلى الفروع وهى الواجبات بالنذر المؤقت من الصلاة والصيام والاعتكاف وغيرها.

وبما ذكرنا خرج الجواب عن قولهم: "إن مثل العبادة لا يصير عبادة إلا بالنص" لأنا قد سلمنا ذلك ولكن الكلام في أن الفعل الذي قد شرع عبادة في غير هذا الوقت حقا للعبد. هل يجب مقام الفعل الواجب في الوقت عند فواته؟ فنقول بأنه يجب لأن الشرع قد أقامه في الصوم والصلاة بمعنى معقول فيقاس عليها غيرهما.

وقد خرج الجواب أيضا عن الجمعة وتكبيرات التشريق لأن سقوطهما لعجز لأن إقامة الخطبة مقام ركعتين غير مشروع للعبد بعد مضى الوقت وكذا الجهد بالتكبير دبر الصلوات: غير مشروع للعبد في غير أيام التكبير بل هو منهى عنه لكونه بدعة فبمضى الوقت يتحقق الفوات فيه فيسقط كما قال شمس الأئمة رحمه الله ولا يقال: لما وجب القضاء في الصلاة والصوم بالنص - إذ لولاه لما عرف وجوب القضاء فكيف يستقيم قولكم القضاء بالأمر الذي يوجب الأداء.

لأنا نقول: قد عرفنا بالنص الموجب للقضاء أن الواجب لم يكن سقط بخروج الوقت. وأن هذا النص طلب لتفريغ الذمة عن ذلك الواجب بالمثل ولهذا سمى قضاء، ولو وجب به ابتداء لما صح تسميته قضاء حقيقة. وهذا كمن غصب شيئا وهلك عنده يجب الضمان لورود النصوص الموجبة له ولكنه يضاف إلى الغصب السابق الموجب للأداء وهو رد العين والنصوص لطلب التفريغ عن ذلك الواجب هكذا هنا.

ثم قال البخارى: (٢) إن كلام فخر الإسلام يشير إلى أن ثمرة الخلاف تظهر فيما ذكره من المنذورات المتعينة فعند العامة يجب قضاؤها بالقياس وعند الفريق الأول لا يجب لعدم وجود نص مقصود فيه. لكن ذكر أبو اليسر في أصوله أنه إذا نذر صوم هذا الشهر أو نذر أن يصلى هذا اليوم أربع ركعات فمضى اليوم والشهر ولم يف فالقضاء واجب بالإجماع بين الفريقين لكن على قول الفريق الأول بسبب آخر مقصود غير النذر وهو التفويت وعلى القول الآخر بالنذر ثم قال، واعلم أن التفويت إنما يوجب القضاء عندهم لأنه بمنزلة نص مقصود فكأنه إذا فوت فقد التزم المنذور ثانيا.

فعلى هذا إذا فات لا بالتفويت بأن مرض أو جن في الشهر المنذور صومه أو أغمى عليه في اليوم المنذور فيه الصلاة يجب أن لا يقضى عندهم لعدم النص المقصود صريحا أو دلالة. فيظهر ثمرة الخلاف ثم استدرك على ما أورده فقال:


(١) المصدر السابق ص ١٤١.
(٢) المصدر السابق.