للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نقول: المأمور به لما فات يضمن بالمثل من غير توقف على أمر آخر كما في حقوق العباد. لأنا نقول من شرط إيجاب الضمان المماثلة ولا مدخل للراى في مقادير العبادات وهيأتها فلا يمكن إثبات المماثلة فيها بالرأى. وكيف يمكن ذلك والأداء مشتمل على الفعل وإحراز فضيلة الوقت. ولهذا لم يجز قبل الوقت، وقد فاتت فضيلة الوقت بحيث لا يمكن تداركها. قال - صلى الله عليه وسلم -: "من فاته صوم يوم من رمضان لم يقضه صيام الدهر كله" فكيف يكون الفعل بعد الوقت مثلا للفعل في الوقت. ولما لم يمكن إيجابه بالأمر الأول توقف على دليل آخر ضرورة.

قال أبو اليسر رحمه الله: إن إقامة الفعل في الوقت إنما عرفت قرية شرعا بخلاف القياس فلا يمكننا إقامة مثل هذا الفعل في وقت آخر مقام هذا الفعل بالقياس عند الفوات كما في الجمعة فإن أداء الركمتين لما عرف قرية بحلاف القياس لا يمكننا أن نقيم مثل هاتين الركعتين مقامهما في وقت آخر بالقياس عند الفوات وكما في تكبيرات التشريق فإنها لما عرفت قرية في تلك الأيام شرعا بخلاف القياس لا يمكننا أن نقيم مثل هذه التكبيرات في غير تلك الأيام مقامها عند الفوات.

واحتج من قال بأنه يجب بالأمر الأول بالقياس وهو أن الشرع ورد بوجوب القضاء في الصوم والصلاة قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فأفطر فعليه عدة من أيام آخر وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وما ورد فيه معقول المعنى فوجب إلحاق غير المنصوص به.

وبيانه أن الأداء قد صار مستحقا عليه بالأمر في الوقت ومعلوم بالاستقراء أن المستحق لا يسقط عن المستحق عليه إلا بالأداء أو بالإسقاط أو بالعجز ولم يوجد الكل فبقى كما كان قبله. أما عدم وجود الأداء فظاهر وكذا عدم الإسقاط لأنه لم يوجد صريحا بيقين ولا دلالة الأنه لم يحدث إلا خروج الوقت وهو بنفسه لا يصلح مسقطا، لأن بخروج الوقت تقرر ترك الامتثال وذلك لا يجوز أن يكون مسقطا بل هو تقرر ما عليه من العهدة. وإنما يصلح الخروج مسقطا باعتبار العجز ولم يوجد العجز إلا في حق إدراك الفضيلة لبقاء القدرة على أصل العبادة لكونه متصور الوجود منه حقيقة وحكما فبقدر السقوط بقدر العجز فيسقط عنه استدراك شرف الوقت إلى الإثم إن تعمد التفويت إلى عدم الثواب "أي ثواب الأداء" إن لم يكن تعمد العجز ويبقى أصل العبادة الذي هو المقصود مضمونا عليه لقدرته عليه فيطالب بالخروج عن عهدته بصرف المثل إليه كما في حقوق العباد.

فإن قيل: لا نسلم أن القدرة على أصل الواجب تبقى بعد فوات الوقت لأن الأمر مقيد بالوقت بحيث لو قدم الأداء عليه لا يصح فيكون الواجب فعلا موصوفا بصفة، ومن وجب عليه فعل موصوف بصفة لا يبقى بدون تلك الصفة كالواجب بالقدرة الميسرة لا تبقى بعد فوات تلك القدرة لفوات وصفه وهو اليسر.

قلنا: هذا إذا كان الوصف مقصودا ونحن نعلم أن نفس الوقت ههنا ليس بمقصود لأن معنى