للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وطن السكنى]

وطن السكنى هو المكان الذى يقصد المسافر المقام فيه أقل من خمسة عشر يوما أى أقل من المدة القاطعة لحكم السفر (١) ولأنها تختلف عند المذاهب كما سيأتى: وهذا تعريف الحنفية على ما ورد فى كتبهم ولم تذكر بقية المذاهب تعريفا لوطن السكنى وإن كانوا يتفقون مع الحنفية فى أن الاقامة بمكان مدة لا تقطع حكم السفر لا توجب الاتمام لبقاء السفر على أن بعض الحنفية لم يعتبر هذا الوطن فقد جاء فى الفتاوى الهندية نقلا عن الكفاية وعبارة المحققين من مشايخنا أن الوطن وطنان وطن أصلى ووطن اقامة ولم يعتبروا وطن السكنى وطنا وهو الصحيح (٢)، وذكر صاحب بدائع الصنائع مثل ذلك عن الفقيه الجليل أبو أحمد العياض.

[شرائطه]

ذكر ابن عابدين فى حاشيته أنه لا بد أن يكون بين وطن السكنى وبين الوطن الأصلى أقل من مدة السفر وكذلك بين وطن الاقامة ووطن السكنى (٣)، كذلك يعتبر من شرائطه نية عدم الاقامة المدة القاطعة لحكم السفر وكذلك يعتبر مسافرا بهذه النية وإن طال مقامه لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة (٤)، وروى عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أنه أقام بقرية من قرى نيسابور شهرين وكان يقصر الصلاة (٥)، إلا أن هذا الحكم ليس الاتفاق عليه كاملا بين المذاهب فعند بعض المذاهب يعتبر مقيما إذا زاد مدة اقامته عن المدة القاطعة لحكم السفر ولو بدون نية لتردد فى السفر أو لجهاد أو لقضاء حاجة وسيأتى بيان ذلك.

[ما ينتقض به وطن السكنى]

جاء فى بدائع الصنائع: أن وطن السكنى ينتقض بالوطن الأصلى وبوطن الاقامة لأنهما فوقه وينتقض بوطن السكنى لأنه مثله وينتقض بالسفر لأن توطنه فى هذا المقام ليس للقرار ولكن لحاجة فإذا سافر منه يستدل به على قضاء حاجته فصار معرضا عن التوطن به فصار ناقضا له (٦).

[عدم انتقاض الوطن الأصلى بالوطنين الآخرين]

ينتقض الوطن الأصلى بمثله لا غير، إذا لم يبق له بالأول أهل فلو بقى له بالأول أهل لم يبطل بل يتم فيهما والمثل الذى ينتقض به وطنه الأول هو أن يتوطن الانسان فى بلدة أخرى وينقل الأهل إليها من بلدته مضربا عن الوطن الأول ورافضا سكناه فإن الوطن الأول يخرج بذلك عن أن يكون وطنا أصليا له حتى لو دخل فيه مسافرا لا تصير صلاته أربعا وأصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين من أصحابه رضى الله عنهم كانوا من أهل مكة وكان لهم بها أوطان أصلية ثم لما هاجروا وتوطنوا بالمدينة وجعلوها دارا لأنفسهم انتقض وطنهم الأصلى بمكة حتى كانوا إذا أتوا مكة يصلون صلاة المسافر ولذلك قال النبى صلّى الله عليه وسلّم حين صلى بهم: أتموا يا أهل مكة صلاتكم فانا قوم سفرا (٧). ولا ينتقض الوطن الأصلى بوطن الاقامة ولا بوطن السكنى لأنهما دونه والشئ لا يفسخ بما هو دونه وكذا لا ينتقض بنية السفر والخروج من وطنه حتى أنه يصير مقيما بالعودة إليه من غير نية


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج ١ ص ١٠٣، ص ١٠٤ الطبعة السابقة وفتح القدير شرح الهداية وبهامشه شرح العناية وحافية سعد حلبى ج ١ ص ٤٠٣ الطبعة السابقة.
(٢) الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية وبهامشها فتاوى قاضيخان للاوزجندى ج ١ ص ١٤٢ الطبعة السابقة.
(٣) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج ١ ص ٣٤٣ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٤) رواه احمد وابو داود والبيهقى.
(٥) الاختيار لتعليل المختار ج ١ ص ١٠٠ طبعة دار الشعب بالقاهرة والبدائع للكاسانى ج ١ ص ١٠٣، ص ١٠٤ الطبعة السابقة.
(٦) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج ١ ص ١٠٤ الطبعة السابقة.
(٧) رواه ابو داود.