للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجماعة والأسرة كما راعى حق الميت الذى يعنيه أن يصل ماله الى ورثته كما قال الفقهاء لأن الموت مانع من التسلط‍ على المال والانتفاع به فلزم أن يخلف الميت من ينتسب اليه على تركته وقد توخى الشارع العدالة وحرص عليها فلم يترك توزيع التركة لارادة المورث بل استأثر بها قال العينى فى شرح الكنز (١) ان الله قدر المواريث بنفسه ولم يفوضها لملك مقرب ولا نبى مرسل، وبين نصيب كل واحد: وهذا يؤيد ما قلناه من شدة حرص الشارع على المحافظة على ما حده الله للارث ولذلك سماه حدودا وبين أنه أدرى بالأحق فى قوله تعالى {(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ)}.

[التدرج فى تشريع الارث]

لم يقض الاسلام دفعة واحدة بأحكام الارث المعمول بها تمشيا مع مسلكه من التدرج فى تشريع بعض الأحكام فقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه وورث بعضهم من بعض بمقتضى المؤاخاة حتى نزل قول الله تعالى {(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ} الآية) (٢) فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب (٣) كما كانوا يتوارثون بالتبنى على ما كان عليه العرب فى الجاهلية فألغى الاسلام ذلك بقوله تعالى ({وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}) (٤).

قال الألوسى (٥): فى تفسير هذه الآية:

انها ابطال لما كان فى الجاهلية وصدر الاسلام من أنه اذا تبنى الرجل ولد غيره أجريت عليه أحكام البنوة، كما كانوا يتوارثون بالمعاقدة على الميراث. روى عن ابن عباس فى قول الله تعالى: ({وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً}) (٦) قال كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر فأنزل الله عز وجل ({النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً}) (٧) قال ابن عباس - أى الا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا لهم وصية فهو لهم جائز من ثلث مال الميت، ويقول الجصاص (٨) قد ثبت من قول السلف ان الحكم الثابت فى الاسلام أولا الميراث بالتعاقد والولاء ثم قال قائلون: انه منسوخ بقول الله سبحانه وتعالى {(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)} وقال آخرون ليس بمنسوخ من الأصل ولكنه جعل ذوى الأرحام أولى من موالى المعاقدة فنسخ ميراثهم فى حال وجود القرابات وهو باق لهم اذا فقد الأقرباء على الأصل الذى كان عليه.

وكان الاسلام يقضى قبل نزول آية المواريث بفرض الوصية للوالدين والأقربين


(١) شرح الكنز للعينى ح‍ ٢ ص ٣٦٤.
(٢) الآية رقم ٦ من سورة الاحزاب.
(٣) راجع روح المعانى للألوسى ح‍ ١٠ ص ٣٩ طبع ادارة الطباعة المنيرية.
(٤) الآية رقم ٤ من سورة الاحزاب.
(٥) راجع روح المعانى للألوسى ح‍ ٢٤ ص ١٤٦ الطبعة السابقة.
(٦) الآية رقم ٣٣ من سورة النساء.
(٧) الآية رقم ٦ من سورة الاحزاب.
(٨) أحكام القرآن للجصاص ح‍ ٢ ص ١٨٥ طبع دار الخلافة سنة ١٣٣٥ هـ‍.