أولها: أن عمر لم يقل إن تقليد الاختيار أقل من خمسة لا يجوز بل قد جاء عنه أنه قال: إن مال ثلاثة منهم إلى واحد وثلاثة إلى واحد فاتبعوا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف فقد أجاز عقد ثلاثة.
وثانيها: أن فعل عمر - رضى الله عنه - لا يلزم الأمة حتى يوافق نص قرآن أو سنة .. وعمر كسائر الصحابة - رضى الله عنهم - لا يجوز أن يخصه الله بوجوب اتباعه دون غيره من الصحابة - رضى الله عنهم - ..
وثالثها: أن أولئك الخمسة - رضى الله عنهم - قد تبرءوا من الاختيار وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رأوه أهلا للإمامة وهو عبد الرحمن بن عوف .. وما أذكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك فقد صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد ..
فإن قال قائل: إنما جاز ذلك لأن خمسة من فضلاء المسلمين قلدوه. قيل له: إن كان هذا عندك اعتراضا فالتزم مثله سواء بسواء ممن قال لك: إنما صح عند أولئك الخمسة لأن الإمام الميت قلدهم ذلك ولولا ذلك لم يجز عندهم ..
وبرهان ذلك أنه إنما عقد لهم الاختيار منهم لا من غيرهم فلو اختاروا من غيرهم لما لزم الانقياد لهم. فلا يجوز عقد خمسة أو أكثر إلا إذا قلدهم الإمام ذلك أو ممن قال لك، إنما صح عقد أولئك الخمسة لإِجماع فضلاء أهل ذلك العصر على الرضا بمن اختاروه .. ولو لم يجمعوا على الرضا به لما جاز عندهم .. وهذا مما لا مخلص منه أبدًا فبطل هذا القول بيقين ..
فإذا قد بطلت هذه الأقوال فالواجب النظر في ذلك على ما أوجبه اللّه تعالى في القرآن والسنة وإجماع المسلمين كما افترض علينا عز وجل إذ يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فوجدنا عقد الإمامة يصح بوجوه ..
[أولها وأفضلها وأصحها]
أن يعهد الإِمام الميت إلى إنسان يختاره إمامًا بعد موته وسواء فعل ذلك في صحته أو في مرضه وعند موته إذ لا نص ولا إجماع على المنع من أحد هذه الوجوه كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبى بكر وكما فعل أبو بكر بعمر وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز.
وهذا هو الوجه الذي نختاره ونكره غيره كما في هذا الوجه من اتصال الإمامة وانتظام أمر الإسلام وأهله ودفع ما يتجذف من الاختلاف والشغب مما يتوقع في غيره من بقاء الأمة فوضى ومن انتشار الأمر وارتفاع النفوس وحدوث الأطماع.
وإنما أنكر من أنكر من الصحابة - رضى الله عنهم - من التابعين بيعة يزيد بن معاوية والوليد وسليمان لأنهم كانوا غير مرضيين لا لأن الإمام عهد إليهم في حياته ..
وثانيها: إن مات الإمام ولم يعهد إلى أحد أن يبادر رجل مستحق للإِمامة فيدعو إلى نفسه ولا منازع له ففرض اتباعه والانقياد لبيعته والتزام إمامته وطاعته كما فعل على إذ قتل عثمان رضى الله عنهما وكما فعل ابن الزبير - رضى الله عنهما - .. وقد فعل ذلك خالد بن الوليد إذ قتل الأمراء زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب وعبد الله بن رواحة فأخذ خالدًا لرأيه من غير إمرة