للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السادس: أن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وطريقته على أنه كان لا يترك الاستخلاف على المدينة وغيرها من البلاد في غيبة مدة قليلة ولا البيان في أدنى ما يحتاج من الفرائض والسنن والآداب حتى في أمر قضاء الحاجة ومسح الخف ونحو ذلك.

فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة والبيان فيما هو من أساس المهمات ..

والجواب: أن ذلك مجرد استبعاد على أن التفويض لاختيار أهل الحل والعقد واجتهاد أولى الألباب نوع استخلاف وبيان كما في كثير من فروع الإيمان ..

السابع: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان لأمته بمنزلة الأب الشفيق لأولاده الصغار. وهو لا يترك الوصية في الأولاد إلى واحد يصلح لذلك .. فكذا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق الأمة ..

الثامن: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} ولا خفاء في أن الإمامة من معظمات أمر الدين فيكون قد بينها وأكملها أما في كتابه أو على لسان نبيه .. والجواب عنهما بمثل ما سبق ..

وجاء في كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهرى ما يأتى (١): "ذهب قوم إلى أن الإِمامة لا تصح إلا بإجماع فضلاء الأمة في أقطار البلاد ..

وذهب آخرون إلى أن الإمامة إنما تصح بعقد أهل حضرة الإِمام والموضع الذي فيه قرار الأئمة.

وذهب أبو على الجبائى إلى أن الإمامة لا تصح بأقل من عقد خمسة رجال ..

ولم يختلفوا في أن عقد الإِمامة يصح بعهد من الإمام الميت إذا قصد فيه حسن الاختيار للأمة عند موته ولم يقصد بذلك هوى ..

ثم قال: أما من قال أن الإمامة لا تصح إلا بعقد فضلاء الأمة في أقطار البلاد فباطل لأنه تكليف ما لا يطاق وما ليس في الوسع وما هو أعظم الجرح وقد قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ولا حرج ولا تعجيز أكثر من تعرف إجماع فضلاء الأمة في أقطار البلاد الإسلامية كلها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب ..

ولابد من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مائة جزء من فضلاء أهل هذه البلاد فبطل هذا القول ..

وأما قول من قال: إن عقد الإمامة لا يصح إلا بعقد أهل حضرة الإمام وأهل الموضع الذي فيه قرار الأئمة ..

فإن أهل الشام كانوا قد ادعوا ذلك لأنفسهم حتى حملهم ذلك على بيعة مروان وابنه عبد الملك واستحلوا بذلك دماء أهل الإسلام وهو قول فاسد لا حجة لأهله وكل قول في الدين عرى عن حجة من القرآن أو من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو من إجماع الأمة المتيقن فهو باطل بيقين .. قال الله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فليس صادقا فيه فسقط هذا القول أيضا ..

وأما قول الجبائى فإنه تعلق بفعل عمر - رضى الله تعالى - عنه في الشورى إذ قلدها ستة رجال وأمرهم أن يختاروا واحدًا منهم .. فصار الاختيار منهم بخمسة فقط .. وهذا ليس بشئ لوجوه:


(١) الفصل في الملل لابن حزم الظاهرى جـ ٤ ص ١٢٩ وما بعدها.